ناصر قنديل
– يقوم ظاهر الخطاب الأوكرانيّ على خداع بصريّ سياديّ عنوانه مقاومة غزو دولة أجنبية لدولة ذات سيادة، وبالتأكيد فإن بلوغ الأمور مرحلة تتيح منح هذا التوصيف قدراً من المصداقية أتاح للسردية الأوكرانية أن تلقى القبول لدى الكثير من الشعوب والأشخاص المحايدين، وما يحتاج للتدقيق هو المدخل الحقيقي الذي تفجّرت بسببه الحرب ومدى انطباقه على مفاهيم السيادة من جهة، ومدى قدرة القرار السيادي على تفادي الوقوع في الحرب من جهة أخرى. فالقضية التي تتفق عليها الروايات الروسية والأوكرانية والغربية للحرب تبدأ من انضمام أو عدم انضمام اوكرانيا الى حلف الناتو، والسؤال الأهم هو هل قرار الانضمام أو عدم الانضمام هو القرار السيادي؟
– قد يتساوى القراران المفترضان من الزاوية النظرية في كونهما نتاج قرار تتخذه مؤسسة سيادية في الدولة، ولكن السياق العملي لمواقف الطرف الثالث المعني وهو حلف الناتو، والذي بات ثابتاً وراسخاً ويثبت ويترسخ كل يوم، بأنه لن يتم ضمّ أوكرانيا الى حلف الناتو مطلقاً، بل إن لا استعداد لدى دول الحلف لتقديم أية مساعدة عسكرية مباشرة من نوع فرض حظر جوي فوق أوكرانيا، والسبب معلن بكلام الرئيس الأميركي جو بايدن وسائر قادة حلف الناتو وأبرز أقوالهم كلام رئيس حكومة بريطانيا بوريس جونسون، والسبب هو بلسانهم مكرراً « إننا لا نريد مواجهة عسكرية مع روسيا». فيصير المشهد كما يلي، توضع أوكرانيا بسبب رفض التعهد بعدم الانضمام او الضم الى حلف الناتو في مواجهة عسكرية مع روسيا، بينما الحلف حاسم بعدم ضمّ أوكرانيا لأنه يحافظ على مصالح دوله وشعوبها واقتصادها وأمنها واستقرارها، وربما أيضاً على مستقبل علاقتها بروسيا، بتجنب مثل هذه المواجهة، فيكون قرار دول الناتو سيادياً بحق، لكن هل قرار أوكرانيا كذلك؟
– في حصيلة الحرب ومهما كانت نتائجها ثمة شيء وحيد أكيد، وهو أن أوكرانيا لن تكون ضمن حلف الناتو، وثمة شيء أكيد كان يجب توافره كي لا تقع الحرب، هو ألا تكون أوكرانيا ضمن حلف الناتو، والمشترك بين الاثنين هو أن أوكرانيا خارج الناتو، والفرق هو الحرب، فيكون قرار الحكومة الأوكرانية هو الذهاب الى الحرب، واستدراجها وإشعال فتيلها مع الإدراك المسبق بأنها لن تصبح عضواً في حلف الناتو، فهل من تفسير لذلك؟
– التفسير واضح، في مكالمات الرئيس الأوكراني مع الرئيس الأميركي، حيث يقول جو بايدن لفلاديمير زيلينسكي، اصمدوا أيها الأبطال وسترضخ روسيا وتتوقف، فالحرب مطلوبة كقرار سيادي للدولة التي تقود حلف الناتو، دون أن تخوضها، بل بأن تدفع أوكرانيا إلى أتونها، وهو القرار السيادي ذاته للدولة ذاتها بأن أوكرانيا لن تكون في الناتو، لأن هذه الدولة السيدة التي تقود الناتو لا تريد مواجهة مع روسيا. والحكومة الأوكرانية تنفذ القرارين السياديين الأميركيين، لا انضمام الى حلف الناتو تسليماً بالقرار الأميركي، وذهاب الى الحرب بالنيابة عن أميركا تنفيذاً لطلب أميركي، لكن لماذا تريد أميركا الحرب لأوكرانيا وتخشاها لنفسها؟
– القيادة الأميركية التي أدركت عجزها عن خوض الحروب وقررت الانسحاب من أفغانستان، دخلت في مرحلة ما بعد الانسحاب في حال تراجع، وتفكك لتحالفاتها، وصعود لدور روسيا، وأدركت حاجتها لحرب تعيد تجميع أوروبا وراءها، في مواجهة مع روسيا، تتيح ضرب كل أنواع الشراكات الروسية الأوروبية، وتفتح الطريق لحملة إعلامية لشيطنة روسيا وتلويث سمعتها بتحميلها تبعات حرب على دولة أوروبية وما يرافق الحرب من أذى وخسائر بحق المدنيين، وما توفره الحرب من فرص للإعلام الذي تمسك به واشنطن لخوض حروب الشيطنة، فنفخت في بوق أوكرانيا التي قدمتها حكومتها قرباناً على المذبح الأميركي. فهل هذه سيادة، وهل ما ينتج عنها مقاومة، أم هي حرب أميركية بالوكالة بلا أي سبب او عذر يمكن إدراجهما تحت بند المصلحة الوطنية او السيادة؟
2022-03-03 | عدد القراءات 1297