سباق المسارات في حرب أوكرانيا نقاط على الحروف ناصر قنديل

 سباق المسارات في حرب أوكرانيا 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- يتأكد كل يوم حجم التعقيد الذي يجعل التوصل لحل سياسي روسي أوكراني عن طريق التفاوض شبه مستحيل ، فمن جهة يعرف الطرفان ان الحرب أكبر من عنوانها الروسي الأوكراني المباشر ، وإذا كانت روسيا طرفا ثابتا في معادلة الحرب والتفاوض في كل حال ، فإن أوكرانيا لم تعد إلا واجهة للحلف الذي يقف وراءها ، والذي تقوده واشنطن ، رغم اليأس الذي عبر عنه الرئيس الأوكراني من ضم بلاده إلى حلف الناتو ، فالحل السياسي يتحقق عندما تتفق موسكو واشنطن على المشهد الأوروبي ، أو ينهزم أحد الفريقان امام الاخر ، فيفرض أحدهما رؤيته ، والواضح أنه دون بلوغ لحظة التلاقي على مائدة التفاوض أشواط عديدة يحتاج فيها الفريقان الى اختبار البدائل التي يظنونها أقل  كلفة من التسليم بما يسعى إليه الآخر .

- المسار الأول الذي لم تحسم نتائج ما يشهده من أحداث هو المسار العسكري ، حيث تعتبر موسكو أن عوامل الجغرافيا والقدرة من جهة ، وعجز الغرب عن الدخول مباشرة على خط الحرب من جهة موازية ، يجعلانها لاعبا وحيدا عمليا في رسم مسار الحرب ، سواء طالت ام قصرت ن بل ان بعض الخبراء العسكريين الروس يعيدون التباطؤ الروسي عسكريا الى تعمد اطالة المعركة لمنح الغرب فرصة ملاقاة العمل العسكري بعروض سياسية ، بينما لا تزال بعض المراهنات في الغرب وفي واشنطن بصورة خاصة تبنى على فرضيات ، من نوع دور ما يعتقدونه فرص نشوء مقاومة أوكرانية وقدرتها إذا تم تزويدها بالأسلحة ، وتوفير خطوط الإمداد لها عبر الحدود ، على جعل العملية العسكرية الروسية شديدة الكلفة ، ومنعها من التقدم الى مناطق الغرب الأوكراني ، ما يفتح فرص التفاوض من موقع توازن عسكري مختلف عما تعتقده موسكو ، وبالتالي لن تحسم وجهة المسار العسكري الا بعد أسابيع وربما شهور ، عندما يقتنع الروس بما يتوقع الأميركيون منه أن يصل اليه من تسليم بالعجز ، لو يقتنع الميركيون بأن رهاناتهم فاشلة ومحكومة عليها بالخيبة ، وان المسار العسكري يسير وفقا لما تريده وما  خططته موسكو .

- المسار الثاني ، هو مسار العقوبات المالية التي فرضها الغرب على روسيا ، ورهانه على ان هذه العقوبات ستتسبب بشل الآلة العسكرية الروسية ، وستتسبب بأزمات متعددة معيشية وخدماتية واستهلاكية ونقدية للدولة والمجتمع في روسيا ، ما سيفتح الباب لضعف زعامة الرئيس فلادمير بوتين ، وتراجع شعبيته ، وظهور اضطرابات تجعل العملية العسكرية بلا ظهر وبلا سند ، وتدفع اما الى تغييرات داخلية في روسية تجعل روسيا نفسها جائزة للغرب وليس أوكرانيا فقط ، أو على الأقل تنضج قبولا روسيا بتقديم تنازلات بحثا عن تسوية تنهي الحرب ومعها العقوبات ، والغرب لا يخفي قناعته بأن هذا المسار يحتاج وقتا ، بينما في موسكو قراءة معاكسة تماما ، فالروس يعتقدون ان العقوبات فتحت طريق نمو الرأسمالية الوطنية الروسية ، بعدما كانت الدولة قد استعدت بتكوين مخزوت مالي احتياطي يجنبها مخاطر فقدان السيولة ، وهي تملك بين يديها ما يكفي لإنفاق سنتين من دون اي مداخيل جديدة ، كيف وان جنون أسواق الطاقة ضاعفت مداخيلها ، فيما الغرب خائف من مزيد من الجنون اذا استهدف واردات روسيا من هذه الأسواق ، بينما فتح الباب للحكومة الروسية لتحويل تحدي القطيعة الاقتصادية مع الغرب الى فرصة انهوض قطاعات روسية جديدة ، ستشكل نواة اقتصادها الحديث ، الذي ستستفيد منه طبقات اجتماعية روسية عريضة .

- المسار الثالث هو مسار حرب الأسعار التي يشهدها العالم ، بنتيجة الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا ، والحرب التي أشعلت سوق الطاقة لن تهدأ ، مهما كانت اجراءات تأمين موارد جديدة ورفع الكميات المعروضة ، فبغير اعلان نهاية الحرب ورفع العقوبات بن يتلقى السوق رسالة الثقة التي تعيد له الهدوء تدريجيا ، وحتى ذلك الحين لا سقف لأسعار النفط والغاز ، ولا فرصة لتجنيب الدول الأوروبية خصوصا تداعيات انهيارات اقتصادية واجتماعيىة تحت تاثير هذا الجنون ، كما  لافرصة لحرمان روسيا من مراكمة عائدات هائلة وسيولة نقدية ضخمة من موقعها كبائع رئيسي في السوق العالمي ، وما سرتبه ذلك من فرص تجنيب روسيا آثار هذه الأزمة العالمية في الطاقة والغذاء ، حيث روسيا دولة تصدير أولى .

- سباق هذه المسارات مندلع بشراسة ، وواحد منها سيسبق في رسم مستقبل الحرب ، وتحديد من يصرخ قبل ألاخر طلبا للتفاوض ؟

2022-03-11 | عدد القراءات 1442