بوتين يسأل : لماذا العجلة فالوقت معنا ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

بوتين يسأل : لماذا العجلة فالوقت معنا ؟

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- هي ليست حرب أوكرانيا بل حرب أوروبا ، فالصراع الروسي الأميركي يدور حول موقع أوروبا في الخريطة العالمية الجديدة ، ومن غير المعقول ان تكون روسيا على أبواب اعلان آسيا خالية من الوجود الأميركي بينما أميركا تمسك بكل أوروبا في قبضتها ،  والحرب على أوروبا كانت حربا من طرف واحد خاضها الأمريكيون طوال ثلاثين عاما ، فتقدموا الى الحدود الروسية بلا تردد ، سمحوا بولادة الإتحاد الأوروبي من بوابة حرب يوغوسلافيا ، فالإتحاد الذي منعوا قيامه في أيام وجود الإتحاد السوفياتي منذ عام 1964 كي لا يتحول إلى قوة مستقلة ، أفرجوا عنه بعد تفكك الإتحاد السوفياتي عام 1994 ليكون آلتهم القانونية لوراثته واستقطاب الدول الأوروبية الشرقية كمرحلة تمهيدية لضمها إلى حلف الناتو، والمعادلة بسيطة وهي أن أوروبا الغربية ستتحمل أكلاف الدول الأوروبية الشرقية الفقيرة ، وزحف سكانها وأياديهم العاملة الرخيصة نحو الغرب وسلعهم الزراعية المنافسة ، والوعد الأميركي لأوروبا هو تطويق روسيا وإلزامها بتأمين تدفق الغاز تحت شروط تفرضها واشنطن ، كميات  وأسعار ، بما يتناسب ويتلاقى مع نتائج الزحف الذي بدأ نحو آسيا من قبل أميركا منذ عام 2000 وحربي أفغانستان والعراق لتطويق الصين ، ووضع سقف لنموها الاقتصادي وكميات واسعار استهلاكها للطاقة ، لتعوض أوروبا كل أكلافها على فقراء الإتحاد الأوروبي ، وتحكم سيطرتها على السواق الاسيوية ، دون مزاحمة صينية ، ودون تحكم روسي بأسعار ومصادر الطاقة ، وعندما لم يعد من أمل لإنعاش حروب أميركا الآسيوية ، خصوصا بعد الفشل في الحرب على سوربة التي تحولت الى حرب أميركية روسية مباشرة ، وبعد الإنسحاب من افغانستان الذي تحول الى خيبة أوروبية كبرى ، وصعود إيران التي تحولت الى مأزق أميركي أوروبي مشترك ، وضع الأميركيون أوكرانيا كعنوان للحرب التي ستعيد أوروبا الى بيت الطاعة مجددا ، وستتيح جمع الطاقات الأميركية الأوروبية في حرب مشتركة تحت العنوان نفسه ، محاصرة روسيا واضعافها ، وصولا لإملاء الشروط عليها  .

- الحرب على روسيا لم تتوقف وفقا لقراءة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، فعام 1990 انتهت الحرب الباردة من طرف واحد هو الطرف الروسي بينما بقيت مستمرة من الطرف الأميركي ، والهدف تفتيت وحدة روسيا وتحويلها الى أشلاء ممزقة ضعيفة وعاجزة ، وفق نظرية قوامها أن روسيا لابد أن تقوم يوما ما  وتستعيد عافيتها وتعود للبحث عن مستقبل يشبه ماضيها ، وطالما لديها الجغرافيا والموارد والسكان والجيش ، كعناصر لهذا النهوض فهي خطر على الهيمنة الأميركية على العالم ، ولذلك خاضت روسيا اختبارات عديدة لرسم سيناريو المواجهة لقطع الطريق على الحلقة الأخيرة من هذه الحرب التي بدأت مؤشراتها بالظهور ، من بوابة قيام أوكرانيا بشن حرب لإستعادة دونباس ، والبدء بفتح جبهة شبه جزيرة القرم ، ولأن روسيا تفهم الشيفرة الأميركية وأميركا تفهم الشيفرة الروسية ، لم يكن هناك التباس حول أن أوكرانيا ،روسيا الثانية بالنسبة للغرب بحجم مساحتها وسكانها وتاريخها ومواردها وجيشها ، هي رأس الحربة ، من خارج حلف الناتو ، منعا للتورط في حرب مباشرة ، والنظر الى حجم وسرعة الإجراءات المتبادلة التي اتخذتها دول الغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى ، يبدو واضحا أن الخطط كانت جاهزة لكل الفرضيات على طرفي الصراع ، بإعتبار ما يجري آخر الحروب ، وأم الحروب ، والحرب الفاصلة .

- بالنسبة لروسيا كانت كل الإختبارات التي تلت حرب أوكرانيا الأولى عام 2014 ، محور تجميع ودراسة لرسم السيناريوهات والخطط ، ولذلك توقفت موسكو عند حدود ضم شبه جزيرة القرم وأبقت وضع دونباس معلقا ، خشية أن يشكل نقطة الضعف التي تفجر الحرب قبل ان تكون مستعدة لكل احتمالاتها ، وكانت كلمة السر المفهومة من الطرفين الروسي والغربي ، أن إعلان الاعتراف بجمهوريتي دونباس يعني إعلان الحرب ، وأهم ما تحققت منه روسيا هو خشية أميركا وأوروبا من المواجهة العسكرية المباشرة وسعيهما لتفاديها ، ورهانهما على العقوبات الإقتصادية والمالية المشددة كضربة قاضية تعادل حربا نووية ، لذلك تركزت خطة روسيا على كسب الوقت في احتواء أعلى درجات العقوبات المالية ، عبر مراكمة مخزون احتياطي مالي يكفيها لسنتين ، لا تطاله العقوبات ، وترصد كل محاولة لتخزين احتياطات اوروبية تحرر أسواق أوروبا من الارتهان للغاز والنفط الروسيين ، وضبط أسواق النفط والغاز على حافة التوازن بين العرض والطلب ، بحيث يؤدي أي تأزم إلى جنون السوق ، بحيث تنتقل معركة تداعيات العقوبات إلى أوروبا ، وتتحول التداعيات ينتائجها الى مصدر لزيادة العائدات الروسية النقدية السائلة ، وإذا سارت هذه الجبهة كما يجب فتصبح إطالة أمد الحرب خطة روسية ، لأن موسكو لا تريد تكرار تجربة الأميركيين في العراق ، لا لجهة بسط احتلال اجنبي يصبح عرضة لحرب استنزاف ، ولا لجهة بناء حكم مؤيد يعجز عن انتزاع ثقة الشعب ، والحرب يجب ان تبقى نافذة مواربة مفتوحة لحل سياسي دولي شامل تكون أميركا واوروبا شريكتين فيه .

- يستغرب الروس الحديث عن معيار السرعة لقياس نجاح عمليتهم العسكرية ، وينقلون عن الرئيس فلاديمير بوتين قوله ، لماذا العجلة فالوقت معنا ؟

2022-03-12 | عدد القراءات 2982