ناصر قنديل
– بخلاف الكثير من السياسيين العراقيين، وأغلب السياسيين الأكراد، الذين لجأوا الى افتعال الذهول والاستغراب تجاه ما أشار إليه بيان الحرس الثوري عن استهداف مقرّ قيادة الموساد في كردستان العراق، وهم يفركون أيديهم ويتساءلون، من أين اخترع الحرس هذا الحديث عن الموساد، ومن أين هذا الوجود الإسرائيلي، وصولاً للتشكيك بكل صدقية العملية النوعية للحرس الثوري، وتصويرها عملية استعراضية ضعيفة تريد توجيه رسالة قريبة من القنصلية الأميركية وعشية تشكيل الحكومة العراقية، ودائماً اعتبارها اعتداء على السيادة العراقية، وهذا طبعاً قبل أن تتالى الصفعات على وجوه ومؤخرات هؤلاء بالمفرق والجملة.
– الصفعة الأولى كانت مع نشر صور الموقع المستهدف، الذي قال المشككون بالعملية إنه شقة في بناء سكني في حي مدني، واذا الصورة لمنشأة واحدة كبرى ليست مبنى شقق سكنية ولا وجود لحي سكني، فالمركز يصلح ليكون مجمعاً بحثياً أو منتجعاً طبياً أو مركزاً دبلوماسياً أو أمنياً، ما يتقاطع مع الرواية الإيرانية بعكس الروايات العراقية التي لا تشبه إطلاقاً صورة المنشأة. وفوراً جاءت الصفعة الثانية في التقارير التي نشرتها الصحافة الأميركية والأوروبية والإسرائيلية حول حجم التمركز الإسرائيلي في أربيل، وقد تقاطعت مع الرسالة الأمنية التي تسلمتها حكومة الرئيس مصطفى الكاظمي الآتي من رئاسة المخابرات العراقية، وكل التقارير الصحافية والأمنية تتقاطع عند أرقام، بين 4000 و8000 «إسرائيلي» يقيمون في أربيل، و1000 شركة إسرائيلية تتخذ لها فروعاً او مراكز في أربيل، وقرابة ملياري دولار استثمارات سياحية وتجارية وصناعية، بعضها غطاء لأنشطة أمنية، وثلاثة مراكز عمليات نوعية مخابراتية، واحد منها للتنصت وتحليل المخابرات الهاتفية داخل إيران.
– الصفعة الأهم جاءت من واشنطن التي رأت في الضربة الإيرانية اكتشافاً إيرانياً لمعادلة الردع المتوازي لما كانت تقوم به «إسرائيل» طيلة سنوات، تحت عنوان المعركة بين حربين، فتحدثت مراكز الدراسات الأميركية القريبة من «إسرائيل» عن نصائح أميركية لتل أبيب لأخذ العملية على درجة من الجدّية بما يتعدّى نتائجها العملية، بل بصفتها فاتحة لمرحلة جديدة، تنشئ معركة إيرانية بين حربين، أي نمط عمليات لا يفجر حرباً، وقوامها إدراك مكانة كردستان بالنسبة لـ«إسرائيل» بما يعادل مكانة سورية بالنسبة لإيران، والمعادلة تقول إن تضربوا سنضرب وإن تقتلوا سنقتل.
– التحذير الأميركي نابع من تحذيرين تبلغتهما «إسرائيل»، كما تقول التقارير الأميركية، الأول أن الوجود الإيراني في سورية علنيّ وشرعيّ بالمعيار القانوني للدولة السورية التي تجاهر بهذا الوجود وتباهي بالعلاقة السورية الإيرانية، بينما الوجود «الإسرائيلي» في كردستان العراق سريّ رغم كونه شبه علني، لكنه غير معلن عنه رسمياً، ولا يملك الشرعية، ولا يجرؤ الذين يمنحونه التسهيلات على الاعتراف بوجوده، وفيما أن كل ضغط سينشأ على الوجود الإيراني في سورية لن يطرح مستقبل هذا الوجود للبحث فإن كل ضغط على الوجود الإسرائيلي في كردستان سيؤدي الى جعله قضية رأي عام عنوانها، التنكر لهذا الوجود ودعوته لحزم الحقائب والمغادرة. أما التحذير الأميركي الثاني، فهو أن الوجود الإيرانيّ في سورية عسكري ويملك أدوات التحرك والردّ، بينما الوجود الإسرائيلي في كردستان مدنيّ مستتر، لا يحتمل قدرة التحرك. وبالخلاصة فإن الحاصل في هذه المواجهة سينتهي بتجذير الوجود الإيراني في سورية، وترحيل الوجود الإسرائيلي من كردستان.
– الإضافة الأهم في التحذير الأميركي للإسرائيليين، هي القول إن هذا رأس جبل جليد إيراني يكشف الانتهاء من رسم خطط تصعيدية بدأت تدخل حيز التنفيذ، تحت عنوان الانتقام وتأديب الإسرائيليين، وأن أي سوء تقدير إسرائيلي ستكون عواقبه وخيمة. لكن ما لم يقله الأميركيون هو أن العراقيين الذين أنكروا واستنكروا لن يكونوا بمنأى عن العواقب الوخيمة.
2022-03-15 | عدد القراءات 1450