زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- بمقدار ما كانت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى دولة الإمارات متوقعة بعد سلسلة الخطوات الإماراتية نحو دمشق ، والتي توجتها زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى سورية ولقائه بالرئيس بشار الأسد ، جاءت الزيارة صدمة قاسية لكل الذين راهنوا على سقوط سورية ، الذين اعتبروا رغم الانتصارات السورية ، أن استمرار القطيعة العربية معها تعبيرا عن بقاء الأمل بإضعاف سورية مجددا ، وهم يعلمون أن الإمارات في قلب مركز صناع قرار القطيعة العربي مع سورية الذي يمثله الخليج ، وأنها ليست دول هامشية في الخليج ، فهي والسعودية كان ولا يزالان ثنائي صناعة القرار ، رغم حضور دول مستقلة كعمان ، ودول تناصب سورية العداء تلبية لرغبة تركية كحال قطر ، وميزة الإمارات التي غالبا ما تنسق مع السعودية في التفاصيل ، انها تملك هامشا من الحركة أوسع من الهامش السعودي ، وأنه رغم ما قد يصدر من واشنطن والرياض حول خطوتها ، فإنها الأقرب الى النبض الفعلي لهما ، كما يقرأ الكثيرون خطواتها في التطبيع مع كيان الإحتلال ، أو أن الإمارات هي الأقل بعدا عن الرغبة بالخصومة مع الرياض وواشنطن ، وقد وضع الكثيرون خطواتها بالانفتاح على إيران ضمن هذا السياق الإستباقي لنجاح الحوار الأميركي والسعودي مع إيران ، ولذلك فإن ما لا يمثل توجها مستقبليا للرياض وواشنطن ، لا تبادر إليه أبو ظبي ، إلا إذا اطمأنت أنه لا يقع ضمن دائرة الخطوط الحمر التي تتسبب بالبعد عنهما ، ولذلك كانت الزيارة صدمة قاسية على هؤلاء المراهنين ضد سورية ، وخصوصا ضد رئيسها ، وعلى رأسهم قادة تشكيلات التورط في الحرب على سورية الذين تصدروا واجهات المعارضة السورية ، وطالما إستمتعوا كثيرا بالإقامة في منتجعات وفنادق السبعة نجوم في دبي وأبوظبي ، شعروا بإنتهاء صلاحيتهم وقد تحولت الزيارة الى الصحن الرئيسي على مائدة احتفالاتهم بذكرى ما سموه ذات يوم ب "الثورة السورية" .
- الزيارة تعبير عن نقلة نوعية في العلاقات بين الحكومتين ، تقول إن التقدم إلى الأمام خطوة كبيرة بات حاجة ملحة ، لكليهما ، من دون ان يعني ذلك تغييرا في التموضع الأصلي لدولتين لا تتخذ فيهما الخيارات بالارتجال والإنفعال ، فلا الإمارات بوارد مغادرة محور واشنطن والرياض ، ولا سورية بوارد فك تحالفها مع طهران وموسكو ، وبمثل ما لا يبدو خيار التطبيع الإماراتي مع كيان الإحتلال مطروحا لإعادة النظر ، تبدو سورية أشد تمسكا بموقعها القيادي الفاعل في محور المقاومة ، بينما قد تشهد مناطق تباعد أخرى بين دمشق وأبو ظبي على الطاولة ، بصفتها مواضيع تباعد يحتاج حلفاء الفريقين في الإقليم لتلاقي دمشق وابوظبي كنقطة بداية لحلحلتها ، فمن جهة طهران الذاهبة للفوز بنصرها النووي مجددا ، والراغبة بتجاوز ملفات التصعيد مع الجيران في الخليج ، ومن جهة الرياض التي تدرك حجم تأثير حرب أوكرانيا على تراجع الإهتمام الأميركي والغربي بأزمات المنطقة ، وفي مقدمتها حرب اليمن ، وتدرك ان واشنطن لم تقم حسابا لتحفظاتها على الاتفاق النووي مع إيران ، وتدرك بالتالي ان كلفة التفاهمات الإقليمية تبقى أقل من كلفة انتظار الحلول السحرية الدولية ، بل ان في الرياض توجها يقول ان صناعة موقع خليجي يتناسب مع موقع الخليج في سوق الطاقة ، وفي ضوء قراءة التوزانات الدولية الجديدة ، يستدعي مسافة في منطقة وسط تبتعد بنسبة معينة عن واشنطن ، وتقترب بنسبة أخرى من بكين وموسكو ، وثمة من يقول أكثر من ذلك ، انه يلتقي مع دعوات الرئيس السوري بشار الأسد منذ أكثر من عقد الى قراءة المتغيرات الدولية ، ووقع المنطقة في فراغ استراتيجي ، والإيمان انه بمستطاع الخليج وإيران وسائر العرب تشكيل قطب جاذب على درجة عالية من الإستقلال ، وهو مضمون دعوة الرئيس الأسد يومها لصيغة دول البحار الخمسة ، قزوين والبحرين السود والأحمر والبحر المتوسط والخليج .
- عشية التحضيرات للقمة العربية في الجزائر ، يأتي لقاء القمة السوري الإماراتي ، مليئا بالحديث عن الوضع العربي ، والحاجة للتلاقي ، والتفكير بصورة مختلفة ومشتركة لاستعادة الدور العربي في السياسات الإقليمية ، وتقول الإمارات ، أن سورية ركيزة من ركائز الأمن العربي ، وتعلن الدعوة لخروج القوات الأجنبية غير الشرعية من الأراضي السورية ، والتمسك بحق الدولة السورية بسيادتها الكاملة على أراضيها واستعادة وحدتها ، وسط مؤشرات تشير الى تبلور موقف خليجي يضع الإنسحاب التركي من سورية كشرط لتطبيع العلاقات الخليجية التركية ، وقناعة تقوم على اعتبار سورية جسر ثقة يمكن له التأسيس لعلاقة استراتيجية غير نفطية مع روسيا والصين ، يدخل ضمنها الحصول على شبكات صواريخ اس 400 وبناء مفاعلات نووية سلمية ، وبيع النفط بسلة عملات تنهي حصرية اعتماد الدولار ، وحوار آمن مع إيران ، تدخل فيه كل التفاصيل المتصلة بالأمن المتبادل في الخليج ، انطلاقا من التعاون لإنهاء حرب اليمن ، التي تقول بعض المؤشرات ان المبادرة الخليجية غير المكتملة تمثل احدى التعبيرات الأولى عن الإقتراب من صياغة موقف خليجي جديد يلاقي إيران في منتصف طريق ، ربما يكون مطلوبا من سورية والإمارات صياغته .
- اللقاء الإماراتي السوري ، هو من جهة تعبير عن إعتراف إماراتي بالنصر السوري ، واستعداد اماراتي لتشكيل رأس جسر للإعتراف العربي بهذا الإنتصار ، وسيكون من السخافة بمكان مطالبة سورية من موقع خلافات كثيرة أخرى مع الإمارات إدارة الظهر له ، وبالمقابل فإن هذا اللقاء بمثل ما انه لايعني تراجعا سوريا عن اي من ثوابتها خصوصا تجاه فلسطين والمقاومة ، فهو لا يعني انتقال الإمارات إلى محور المقاومة ، و بمقدار ما يستحق اللقاء التنويه والإشارة ، فهو لا يكفي للتخلي عن اللغة النقدية لسياسة الإمارات ، على الأقل في ملفي التطبيع وحرب اليمن ، ولو أن البعض كان ينتظر لحظة نهاية القطيعة الإماراتية السورية ليسارع في تقديم أوراق اعتماده في أبوظبي لحسابات مالية لا سياسية ولا مبدئية ، يعرفها الإماراتيون جيدا ، لكن الحريصين على تحسين شروط الواقع العربي واثقون بأن للانفتاح على سورية عائدات قد لايتوقعها أصحابها ، ومنها تنفس هواء مشبع بالكرامة العربية قد يبدأ بريح شمالية ، لكنه سينتهي حكما بالهواء القبلي المنعش ، الآتي من فلسطين ، وحتى ذلك الحين سنبقى نقول أن التطبيع خطيئة وليس مجرد خطأ .
2022-03-21 | عدد القراءات 2159