ما هي النتائج الإستراتيجية لحرب أوكرانيا ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

ما هي النتائج الإستراتيجية لحرب أوكرانيا ؟

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- يعتقد الكثير من المتابعين العسكريين والاستراتيجيين خطأ أن تقييم النتائج الإستراتيجية للحروب ، غير ممكنة إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها ، والصحيح أن النتائج التي يمكن استخلاصها على الصعيد الاستراتيجي للحروب هي تلك التي تظهر قبل أن تنتهي الحرب ، فما تظهره سياقات الحروب من تأثيرات في الجغرافيا السياسية ، ومن تبدلات في مواقع الدول ، وحدود الحركة السياسية والعسكرية والاقتصادية لردات فعلها تجاه تداعيات الحروب ، تكون أحيانا أهم من تلك التي يمكن تسجيلها مع نهاية الحروب ، وفي الحرب الأوكرانية تدور الحرب على ساحة الأفكار والمواقف والعقول بصورة أشد شراسة من تلك الدائرة في الميدان ، ومن موقع التفوق الإستثنائي للآلة الغربية الإعلامية ، ولقدرة التحكم بضخ المعلومات والتحليلات والأخبار ، نجح الغرب بتوظيف عناصر تفوقه لتحديد مواضيع النقاش بما يناسب خطته للتعامل مع الحرب ، ولذلك يبدو النقاش الذي نجريه خرقا لهذا السياق السائد ، فالغرب عموما والأميركي خصوصا يريدان عبر توجيه النقاش نحو تحويل البحث حول سرعة موسكو وبطئها في تحقيق الإنجازات العسكرية من كونه بحثا تكتيكيا الى عنوان استراتيجي ، بل إلى العنوان الإستراتيجي الوحيد الذي يستقطب النقاش .

- أول النتائج الإستراتيجية للحرب هو إظهار معادلة دولية جديدة قوامها ، ان دول حلف الناتو المكونة أصلا من أميركا وكندا و29 دولة أوروبية بما فيها تركيا من أصل 48 دولة أوروبية منها روسيا وروسيا البيضاء وعدد من الجزر الصغيرة والفاتيكان وسويسرا والنمسا خارج الحلف ، لن تخوض حربا مع دولة عظمى كروسيا والصين على الأقل اذا تعرضت أي دولة أخرى خارج الحلف لأي عمل عسكري شبيه بالذي تعرضت له أوكرانيا ، التي تمثل بمعيار الأهمية والقرب الجغرافي من مركز ثقل الحلف في أوروبا ، أعلى درجات المخاطر لعدم التدخل ، وبالقياس فإن اي دولة خارج الحلف تقع على جوار روسيا والصين ، تتعرض لخطر حرب لن تكون تحت مظلة تدخل الحلف الإفتراضية ، وهذا يعني في الجوار الروسي دولا مثل أوكرانيا هي السويد وفنلندا ومولدوفا وفي جوار الصين دولا مثل تايوان ولاوس وبورما وتايلاند وفيتنام ، والحاصل الإستراتيجي لهذه الخلاصة ، سيكون حكما فتح الطريق لإخضاع هذه الدول لمعادلة الاسترضاء للجار القوي بقوة الردع الذي ينجم عن معادلة الغزو المحتم دون رادع ، ولو امتدت فترة ترقب هذه الدول لما بعد نهاية الحرب ، فهي بدأت تقيم حساباتها وتبني استخلاصاتها قبل أن تنتهي الحرب .

- ثاني النتائج الإستراتيجية للحرب ثبات حجم التماسك في الحلف الروسي الصيني ، والحرب هي أول تجربة جدية ومفصلية يجري خلالها إخضاع هذه العلاقة لإمتحان بهذا الوضوح ، بوضع الصين بين خياري التعرض للعقوبات أو المشاركة بالعقوبات المفروضة من الغرب على روسيا ، وقد صار ثابتا أن الدولتين تتصرفان في مواجهة سطوة الغرب الدولية سياسيا واقتصاديا وعسكريا كحليفين استراتيجيين ، يدركان أن أحدهما ركيزة لا غنى عنها لقوة الآخر ، وإن استفراد أحدهما ليس الا مقدمة لاستفراد الآخر ، وبالتالي سقوط المعادلة التي صاغها هنري كيسنجر منذ أيام الحرب الباردة تحت عنوان الإستثمار على التنافس الروسي الصيني وتحويله الى تناقض تأسيسي في المشهد الاستراتيجي ، ولهذا الثبات نتائج هائلة على أي قراءة لموازين القوى الدولية السياسية والاقتصادية والعسكرية ، فجمع ما تمثله روسيا والصين على هذه الأصعدة ، ومن تستطيعان استقطابه للتحالف بينهما ، يجعل الحديث عن هيمنة غربية على المشهد الدولي حماقة كبرى ، وهذا سيجعل الاستقطاب الموضوعي داخل المشهد الدولي محكوما بظهور متانة هذا الثنائي للمرة الأولى .

- ثالث النتائج الإستراتيجية للحرب أن المكانة المحورية لسوق الطاقة تتغلب على الحسابات السياسية للعداء ومقتضيات الحروب والنزاعات ، فموقف أوروبا المتمسك بالحفاظ على إمدادات النفط والغاز من روسيا ، رغم ادراك ان أولى نتائجه تعطيل كل الرهان على فعالية العقوبات على روسيا ، وأميركا تفتح قنوات تسريع الإتفاق النووي مع إيران ، ومثلها رفع الحصار عن فنزويلا أملا بتسريع انضمامهما إلى سوق النفط والغاز سعيا لتفادي النتائج السلبية للعقوبات على روسيا في أسواق الطاقة ، وهي تعلم انها تستجير من الرمضاء بالنار ، وتطلق يد قوى تعلم حجم العداء الإستراتيجي الذي يحكم علاقتها بها ، وهذا سيفتح عيون الدول المؤثرة في أسواق الطاقة على مكانتها ، وخطورة قدرتها على التأثير بعدما تم إخضاعها بأكاذيب استغناء العالم عن النفط والغاز ، وبدائل موارد الطاقة الجديدة ، ويظهر للعرب ودول الخليج خصوصا ، بعد عقود من الكلام عن عدم جواز استخدام النفط كسلاح سياسي ، أن أصحاب هذا الخطاب يجاهرون بهذا الإستخدام .

- رابع نتائج الحرب على الصعيد الإستراتيجي ، ظهور التفكك والإرتباك على حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط ، الذي بدا  بوضوح أنه خارج نطاق السيطرة الأميركية ، بعد عقود من ظهوره كولاية أميركية منضبطة ، فالضغوط التي مورست لضمان التصويت مع مشروع القرار الأميركي لم تحجب حقيقة مشهد التمرد على المشاركة بالعقوبات على روسيا ، والأمر ليس هنا بالحديث عن إيران وسورية ودول كالعراق والجزائر ، بل نتحدث عن تركيا والسعودية والإمارات ومصر و"إسرائيل" ، والمعنيون يمثلون وفقا للقراءة الأميركية وجهات بديلة في السياحة والمصارف لروسيا عن أوروبا ، وتحول الشرق الأوسط الى خاصرة أميركية رخوة هو بداية مرحلة ستتبلور أكثر مع العودة الأميركية والأوروبية للإتفاق النووي مع إيران ، وبدء صعود الحضور الإيراني كقطب جاذب لمعادلات المنطقة ، قادر على تشكيل شريك ثالث إقليمي للثنائي الروسي الصيني ، ومن أولى النتائج العربية تصدر سورية للمشهد كما بدا من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات قبل أيام قليلة .

2022-03-24 | عدد القراءات 1582