بوتين لنظام مالي قائم على الذهب بدل الدولار
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- كما تسلسلت حلقات هيمنة الدولار على أسواق العالم وعملاته خلال عقود طويلة ، من امتلاك أميركا ل75% من كميات الذهب في العالم ، وربط الذهب بالدولار في اتفاقية بريتون وودز عام 1944 ، وفق معادلة حق استرداد كل كمية دولارات تملكها أي دولة بكمية موازية من الذهب على سعر 35 دولارا لكل أونصة ذهب ، وصار الدولار عملة العالم وعملة تسعير السلع الإستراتيجية ، وعملة التداول المصرفي ، وتأسس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تبعا لهذه المعادلة ، حتى أعلنت واشنطن عام 1971 وقف العمل بمعادلة تسعير الذهب مقابل الدولار بسعر بريتون وودز ، بما يعني تحرير طباعة الدولارات من ضمان كميات موازية من الذهب على هذا السعر ، مستندة الى أن هيمنتها على الاقتصادات العالمية ستحول دون أن يجرؤ أحد على الخروج من مظلة الدولار ، وجاء القرن الواحد والعشرين ليحمل معه استبدال واشنطن لتدخلاتها العسكرية وحروبها الفاشلة بالاعتماد كليا على العقوبات المالية والمصرفية ، المتركزة الى مكانة الدولار والنظام المصرفي الأميركي في النظام المالي الدولي .
- الحديث عن التحرر من هيمنة الدولار كان مطروحا على الدوام ، لكنه لم يتحول إلى خطط عملية ، فالأمر يحتاج دولة تملك قدرة تأثير إستثنائية في الاقتصاد العالمي تضع ثقلها لفرض معادلة فك الإرتباط بين التجارة الدولية وحتمية المرور بنظام الدولار ، والمعلوم أن اعتماد اليورو كوسيلة دفع مالي لا يشكل خرقا لنظام الدولرة ، فاليورو هنا ليس إلا ظلا من ظلال اعتماد الدولار طالما أن التسعير يتم للسلعة واليورو بالقياس للدولار ، وضمن نسب يحددها البنك الفدرالي الأميركي للبنوك الأوروبية ، ومثلها لبنوك العالم يمنع تجاوزها ، وعلى من يتجاوزها أن يضع مبالغ بالدولار موازية لقيم التعاملات الإضافية بالعملات الأخرى لدى البنوك الأميركية ، وليس خافيا أن إنهيار نظام السيطرة العسكرية الأميركية في مساحات عالمية واسعة ، جعل نظام الدولرة الشكل الأبرز لمشروع الهيمنة الأميركية .
- مع بدء الحرب الأوكرانية ، وضعت واشنطن معادلة العقوبات مقابل العسكرة الروسية ، ووظيفة العقوبات ، اضافة للمفعول النفسي لحزمة ضخمة من العقوبات الشديدة القسوة ، هو تكبيل الإقتصاد الروسي وإصابته بالشلل ، وتعطيل نظام الدفع بالنسبة للدولة والشركات في روسيا ، من بوابة انهيار العملة الروسية المتوقع بنتيجة العقوبات ، وافلاس مصرفي وتفكك النظام المالي بالنتيجة ، وقد اتخذ الرئيس الروسي من نجاحه بإحتواء الصدمة الأولى للعقوبات وإحباط النتائج المتوقعة ، ليرسم معادلة جديدة قوامها ، وضع نظام الطاقة العالمي في كفة ، والنظام المالي القائم على الدولار في كفة مقابلة ، مستندا إلى مكانة روسيا المقررة في نظام الطاقة ، بصفتها املورد الرئيسي الذي يصعب الاستغناء عنه بالنسبة لأوروبا ، متسلسلا من معادلة تحويل الحرب العسكرية إلى حرب عقوبات ، بالرد وجعل حرب العقوبات حرب طاقة ، وحرب الطاقة حرب عملات .
- معادلة الرئيس الروسي الجديدة ثلاثية ، الدفع بالروبل ، نظام التحويل هو نظام مير الروسي وليس نظام سويفت الغربي ، وحدة التسعير بين النفط والغاز والروبل هي الذهب ، والمعادلة هي كل غرام ذهب ب600 روبل ، وأسعار النفط والغاز تصدر بنشرة يومية في موسكو بمعادلة مقابل الذهب ، وهذا يعني أن على الدول الأوروبية وعلى رأسها المانيا اذا رغبت بمواصلة شراء النفط والغاز من روسيا ، بقيمة تقدر بما بين 600 مليون ومليار و200 مليون دولار يوميا ، ان تشتري يوميا بهذه القمية ذهبا تودعه لدى المصرف المركزي الروسي ، ووفق الأسعار الرائجة ، والسوق الأبرز القادر على بيع هذه الكمية هو السوق الروسي ، وعلى أوروبا وضعها لدى البنك المركزي لشراء روبلات بقيمتها تسدد بها عبر نظام مير قيمة مشترياتها ، وهذا سيعني الزام البنوك المركزية الأوروبية على التعامل مع المصرف المركزي الروسي مجددا رغم العقوبات ، وزيادة الطلب على الذهب بيع كميات من الدولار واليورو مقابله ، واعتماد نظام التحويل الروسي مير ، والمساهمة برفع سعر الروبل الذي استرد سعره الذي كان عليه عشية بدء العقوبات بمجرد الإعلان عن المعادلة الروسية الجديدة ، ما يعني عمليا ما هو اكثر من الغاء العقوبات ، بكثير .
- يخطو الرئيس بوتين خطوة شجاعة وعملاقة نحو اسقاط نظام هيمنة الدولار الممتد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ، للعودة الى نظام التسعير بالذهب ، الذي تشكل روسيا مع حليفتيها في البريكس جنوب افريقيا والصين احد أضخم مستودعات العالم ومصادر الانتاج الجاهز للتداول في اسواقه من جهة ، والذي سيتراكم منه اضخم مخزون عالمي لدى روسيا بفعل القواعد الجديدة للمبادلة ، واذا رفضت أوروبا المعادلة الجديدة فعليها أن تواجه خطر ما كانت تتمناه لروسيا ، اي افلاس شركات ومصارف وانهيارات مالية وحرب أسعار وبطالة ، كما قال وزير الطاقة الألماني .
2022-03-29 | عدد القراءات 1223