غادة عون شكرا
كتب ناصر قنديل
- لا هي تنفي محبتها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ، ولا التيار الوطني الحر ينكر دعمه لها ، لكن هذه المحبة وذلك الدعم لا يستطيعان إخفاء حقيقة أن القاضية غادة عون ظاهرة مميزة في القضاء اللبناني ، حبذا لو أن جميع القضاة الذين يحبون قادة سياسيين وتدعمهم أحزاب يكونون مثلها ، فيتحقق التوازن في التنافس على فتح ملفات الفساد ، بدل التوازن في التستر عليها .
- طوال الفترة السابقة الممتدة لشهور من السجال حول الإجراءات التي اتخذتها لم يثبت أن ثمة ملفا من الملفات التي فتحتها بحق شخصيات ، كان الإعتقاد السائد أنها فوق الملاحقة والمحاسبة ، كان ملفقا او مفبركا ، وربما يكون اختياره دون سواه تم سياسيا واستنسابيا ، لكن ذلك لاينفي ان التهم حقيقية و الارتكابات حقيقية ، وأن الرد بأن الملاحقة استنسابية لا يبرئ ساحة المتهم ، ولا يخفي حقيقة أن الرد الجدي هو بإثبات المتهم براءته بالوقائع وملاحقة القاضية عون بتهمة الإفتراء وتصنيع جرم كاذب ، و كذلك بأن يفتح قضاة آخرون ملفات موازية وليكن استنسابيا لمحسوبين على التيار ورئيس الجمهورية فتكون العدالة هي المستفيدة ، واللبنانيون في النهاية هم الرابحون .
- ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا ، كان من أبرز ملفات القاضية عون ، ونالها الكثير من التجريح بسببه ، وتجندت في مواجهتها وحملة التشهير بها ، أقلام وشخصيات وتلفزيونات ووزراء ونواب ورؤساء حكومات ، وبقيت صامدة لم تهزها الرياح ، التي ربما هزت لفترة تمسك التيار بدعمها في المضي قدما في ملفاتها ، لكنها مضت ، ورغم نجاح الحملة المضادة بحكم ضخامة حجمها ورقعة المشاركين فيها ، برسم علامات استفهام حول صدقية الاتهامات ، وجدية وجود ملفات ، لأن الأمر المثار لم يكن سوء ادارة المال العام المثبت بواقع الإنهيار ، بل الإثراء غير المشروع ، حتى تم فتح الملف في عدد من الدول الأوروبية ، فنالت القاضية عون بعض التعاطف والمصداقية ، لكن الحملة المضادة نجحت بالتشكيك بصدقية الملاحقة الأوروبية ، وتجندت في الحملة شخصيات في جمعيات وأحزاب "الثورة" واعلامها واعلامييها ، بصورة مباشرة أو مواربة تطرح أسئلة التشكيك ، حتى جاءت الضربة القاضية بالإعلان الأوروبي عن الحجز على أموال وممتلكات سلامة وشقيقه ، فساد الصمت المريب .
- الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تنافس السياسيين ، وتناتشهم للحصص ، وتراشقهم بالتهم ، معنيون بأن يشهدوا للقاضية عون بأنها نجحت بتقديم مثال للشجاعة والنزاهة والمهنية ، وان ما اتهمت به من الشعبوية والاستعراض ، كان آخر السلاح الذي اضطرت للاستعانة به منعا للتعتيم على الملفات التي تتولاها ، عندما نجحت الحملة بالتسلل الى الصفوف القضائية لكف يدها ، وإن كان الكلام عن أنها تتحرك بتوجيه من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر صحيحا فتلك تحسب لهم وليس عليها ، ويا حبذا لو نشهد من القضاة الذين يستقوون بالحماية السياسية من يشبه غادة عون ، لفتح ملفات حقيقية لفساد حقيقي .
- الذين لا يعرفون غادة عون ولا تعرفهم ، هم الرصيد الحقيقي الذي يجب أن يحسم خياره مع اتضاح الصورة الى جانبها ، وأن ينصرها ، وهؤلاء هم الصخرة التي يمكنها الإستناد عليها أمام ضراوة الحملة المستجدة ، خصوصا من أصحاب شعارات ، "ملاحقة سلامة تؤثر على مفاوضات صندوق النقد الدولي" ، و"ملاحقة سلامة تؤثر على سعر الصرف" ، و"الإنتظام العام" ، و"المصلحة العليا للدولة "، دون أن يجرؤ أحد على القول أن ملاحقة سلامة افتراء ، وذلك يعني شيئا واحدا ، انهم يريدون حماية أنفسهم بحماية سلامة ، لأن ملفاتهم مشابهة ، لا يمكن الدفاع عنها بطلب البراءة ، بل بالتحذير من المخاطر بلغة أقرب للتهديد ، "سينهار البلد إذا أقيم العدل" ، بدلا من القول "ان البلد لن يقوم ما لم يقم العدل" .
- بأمثال غادة عون التي ليس عندها الا مضمون الملف المعروض أمامها ، ولا تقيم حسابا للذقون الممشطة ، ثمة أمل بنهضة القضاء وإقامة ميزان العدالة .
2022-03-30 | عدد القراءات 1786