فلسطين تستعد لمشهد استراتيجي جديد
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- ليس في فلسطين وحدها ، بل في غالب الأحيان تتوهم القوى السياسية التي تضعها حركة شعبها في الواجهة أنها تتحكم بالمسارات ، رغم ما يأتي من مفاجآت مخالفة لتوقعاتها ، ومن فشل تقع فيه شعاراتها وحساباتها ، لكن لذلك في فلسطين نكهة مختلفة وطعم آخر ، فالصراع الذي يخوضه أي شعب هو الذي يقرر درجة جذرية وديناميكية التحولات ، وقد لا يكون هناك أشد جذرية وديناميكية من الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني خلال قرن كامل ، برزت فيه حركات تاريخية وازنة لعبت دورا مهما في صناعة الأحداث ، ورسم خرائط هامة على مساحة العالم ، وبقيت حركة الشعب الفلسطيني الشعلة الأشد حيوية وتوهجا ، بردت وانطفأت قبالتها شعلة العديد من حركات كانت تصنع الأحداث في أقاليم معينة وحقب زمنية موازية .
- في فلسطين يقع محور الصراع الكوني ، الذي تستقيم معه المطابقة بين الحقائق التاريخية والقراءات السياسية ، فكل بحث تاريخي عميق بأصل القضية سيكتشف استحالة نجاح أي حل سياسي مهما بدا قانونيا ومنصفا ، بإنهاء الصراع ، طالما يقوم على التغاضي عن بقاء كيان الإحتلال ولو على بقعة صغيرة من فلسطين ، أو عن بقاء لاجئ فلسطيني واحد لا يشمله حق العودة ، أو بقي جزء من القدس جائزة ترضية لجماعة الوهم والخرافة في العقيدة الصهيونية حول أرض الميعاد ، وأن ذلك التجاوز لمنطق الحق ومعادلاته سيتكفل بتفجير أي صيغة تسوية ، وبالمقابل فإن كل مشاريع مواجهة الهيمنة الأميركية في العالم ، سواء تلك التي تخوضها دول كبرى كروسيا والصين ، او دول متوسطة او صغرى ، او تلك التي تخوضها شعوب وحركات تحرر ، ستبقى قاصرة سياسيا وعمليا طالما توهمت تحييد كيان الإحتلال عن روزنامتها أو افتراض ان تجاهل الصراع مع الكيان يضعه خارج توازن القوى الذي تستند إليه الهيمنة الأميركية ، وأنه في أي مواجهة فاصلة مع مشروع الهيمنة سيظهر كيان الإحتلال ركيزة رئيسية للدفاع عن هذا المشروع ، وبالتوازي مع هذين البعدين بعد ثالث قوامه حجم الإنتشار العالمي للوبيات المسيطرة على المصارف ووسائل الإعلام والخاضعة للهيمنة الصهيونية ، ما يجعل كيان الإحتلال شريكا في المنظومة العالمية للهيمنة ، لا يمكن توهم التحرر من الهيمنة دون ضربها وتفكيكها ، وبالتالي التصادم مع الكيان .
- ما نشهده منذ قرن كامل يقول إن المقاربة السائدة في البلاد العربية والإسلامية ومن خلفهما العالم ، لم تكن ناضجة ولا هي الآن لملاقاة الحقيقة التاريخية والحق التاريخي ، ولذلك يمر الصراع على الحق والحقيقة في فلسطين بدورات يتناوب فيها الإحتباس مع الإنفجار ، وها نحن في نهاية دورة احتباس وعلى عتبة دورة الإنفجار ، فالإنتفاضة الأولى التي عرفت بإنتفاضة الحجارة أثمرت تراجعا "إسرائيليا " لم تحسن القيادة الفلسطينية استثماره ، فاجهض في اتفاق أوسلو ، والإنتفاضة الثانية أثمرت تراجعا إسرائيليا جديدا ترجم بالإنسحاب من غزة فأسس للإحتباس الذي نحن فيه وللإنفجار الذي نقف على عتبته ، واليوم تقف فلسطين على عتبة مرحلة استراتيجية جديدة ، ربما لا يقرأ أبعادها الكثيرون في العالم والمنطقة ، فقد سقطت صفقة القرن ، وسقط التطبيع ، ومشروع الهيمنة الأميركية يتراجع بسرعة ، وقوى المقاومة للهيمنة الأميركية في العالم تنمو بسرعة وتهز أركان الغرب ، ومحور المقاومة في المنطقة يسجل حال صعود ، والتطرف يسيطر على دفة قرار كيان الإحتلال ، مع حكومة لا تملك الا السير وراء توحش المستوطنين ، والشعب الفلسطيني منذ معادلة سيف القدس امتلك الثقة بقدرته منفردا على رسم معادلات الصراع ، ووضع قضيته في رأس أولويات القضايا .
- العمليات الفلسطينية الأخيرة بنوعيتها وتسارعها ، تقول ان اللحظة التاريخية تقترب ، ومشهد جنين يرسم ساحات الصراع ، التي قد تخرج معها أجزاء من الضفة الغربية عن سيطرة الإحتلال كما خرجت غزة ، وتتحول إلى قواعد للمقاومة ، ربما في جنين ، وربما في الخليل ، وربما في سواهما في الضفة الغربية أو في الأراضي المحتلة عام 1948 ، لكن اللحظة آتية وتتقدم بسرعة .
2022-04-01 | عدد القراءات 1583