روسيا والحرب ومعيار النصر
كتب ناصر قنديل
- مع نهاية الشهر الأول من الحرب في أوكرانيا كان مفاجئا أن تنتقل موسكو الى عنوان التهدئة وتثبيت المكاسب والمواقع بدلا من مواصلة التقدم ، وبدا أن الغرب يشن هجوما إعلاميا ودبلوماسيا عنوانه الحديث عن فشل روسي لدفع موسكو للعودة الى الهجوم ، وجعل المعيار للربح والخسارة عدد المدن التي تدخل إليها القوات الروسية ومساحة الجغرافيا الأوكرانية التي تسيطر عليها ، لكن الواضح ان موسكو مدركة لقواعد اللعبة وتعرف ماذا تريد .
- تتفادى موسكو الوقوع في فخ النصر العسكري والجغرافي وتبني خطتها العسكرية على معيار النصر السياسي ، وقد حقق الشهر الأول لروسيا فتح كل الحدود مع أوكرانيا كخطوط إشتباك وبنت على الأرض الأوكرانية رؤوس جسور وازنة ، وحققت حصار المدن الكبرى ، وقطعت الطرق الدولية ، ودمرت البنية التحتية العسكرية الأوكرانية من مطارات ودفاع جوي ومستودعات وقود وسلاح وذخيرة ، وفرضت سيطرة على الحركة عبر الحدود البولندية لاستهداف أي شحنات دعم جديدة ، وتواصل بالصواريخ البعيدة تدمير كل ما يمكن ان يغير وجهة الحرب وتوازناتها ، مع تفادي أي نقاط احتكاك ممكنة مع الوحدات الأوكرانية تحول الزمن الى مصدر استنزاف عسكري للجيش الروسي ، عبر التموضع في نقاط استراتيجية محصنة ، وهي تدفع أوكرانيا لليأس من الإنتظار ، لأن لا شيئ سيتحسن بالنسبة لأوكرانيا ، بينما كثير من الأشياء ستزداد سوءا ، فنفاد الوقود وحده يكفي كمثال على الشلل الذي يسببه للحياة العسكرية والمدنية .
- فتحت موسكو كوة واسعة في جدار التفاوض عبر الوثيقة الخطية التي قدمها الأوكرانيون ، والتي تنص على قواعد صالحة للانطلاق في مسار طويل لإنضاج حل يعني عمليا إستسلام أوكرانيا دون احتلالها ، أي بعكس نموذج أفغانستان والعراق مع أميركا ، فقد سلمت كييف بالحياد وسلمت بالوضع الخاص للدونباس والقرم ، وبقي رسم تفاصيل هذين المبدأين اللذين يشكلان عنوان التغيير الذي تريده موسكو معيار رسم خرائط أوروبا الجديدة .
- احتوت موسكو العقوبات وامسكت بطرف الخيط للضغط على العنق الأوروبي بمعادلة الغاز والنفط ، والمعيار لم يعد ما يسربه الأميركيون والأوروبيون عبر الإعلام عن مشاكل روسية وتقدم أوكراني ، فالسوق صارت هي مرآة الربح والخسارة ، سعر الروبل من جهة وسعر النفط والغاز من جهة ، فكلما ارتفع سعر الروبل كان المعنى أن أمريكا تخسر وروسيا تربح ، وكلما ارتفع سعر النفط والغاز كان العلامة على أن روسيا تتقدم والغرب يتراجع .
2022-04-01 | عدد القراءات 1434