بوتين يفاجئ الغرب بعقل استراتيجي خطير
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- رغم كل الأوراق التي تبدو ظاهريا بيد الغرب عموما وأميركا خصوصا في المواجهة مع روسيا ، ورغم إدمان الكثير من المحللين ، الملتحقين بالسياسات الغربية والأمريكية وكذلك المناوئين لها ، على ترويج معادلة أن الغرب وعلى رأسه اميركا ، لديهما خطط جاهزة هي التي تحكم مسارات الأحداث ، وصولا للقول أن روسيا وقعت في فخ نصبه الغرب لها ، وان الحسابات التي وضعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحربه جاءت مخالفة للواقع ، فإن التدقيق البعيد عن التأثر بالبروباغندا المهيمنة على القراءات والتحليلات الإعلامية ، وهي غربية وأمريكية بالتأكيد ، سيوصل أي باحث جدي ومهني إلى استخلاص مفاده ، أن الورقة الوحيدة التي باتت بيد الغرب وأميركا هي السيطرة على منصات الحرب الإعلامية ، ومحاولة فرض رواية للأحداث تخدم استنتاجات تخدم الحسابات الغربية والأميركية .
- تم بناء خطة الغرب للمواجهة على فرضية سيناريوهات للحرب العسكرية ، تفترض أنها الميدان الرئيس للصراع ، ووضعت الخطط لتزويد الجيش الأوكراني بالمال والسلاح والمرتزقة من جهة ، وتحصين الجبهة الشرقية لحلف الناتو ، خصوصا في بولندا ، من جهة موازية ، بصفتها الوجهة الرئيسية للمواجهة مع روسيا في ظل تعذر الدخول المباشر في الحرب ، وسعي الأميركيين لتفادي الوقوع فيها ، وفجأة يعلن الرئيس الروسي تموضعا لقواته يتضمن الانسحاب من جوار العاصمة الأوكرانية كييف التي قالت الرواية الأميركية أنها هدف العملية العسكرية الروسية ، وتفقد كل الخطط العسكرية الغربية قيمتها بحصر المواجهة العسكرية في دونباس ، في ظل هيمنة روسية على البحر والجو ، وفرضها لحصار محكم على تدفق الوقود ، ولا تستقيم رواية ربط هذا التموضع بهزيمة روسية بينما المفاوضات تدور حول تكريس الحياد الأوكراني بوثيقة خطية ستشكل أساس ما سيلي من مفاوضات ، كما لا يستقيم جمعها مع الرواية الموازية بأن التموضع خدعة مشكوك بها تمهيدا لهجوم جديد ، فيما يبدو الرئيس الروسي دقيقا بالقول إن المرحلة الأولى من الحرب انتهت بالنسبة اليه بتحقيق ثلاثة أهداف ، تدمير القدرة العسكرية الثقيلة للجيش الأوكراني ، استرداد السيطرة لحساب سكان إقليم دونباس على مناطقهم ، الحصول على تعهد أوكراني بقبول الحياد اطارا لمستقبل أوكرانيا ، بحيث سيتم الفصل من الآن وصاعدا ، بين مسارين ، مسار أوكراني روسي عنوانه الحياد والقرم ، ومسار أوكراني أوكراني يحتمل البقاء عسكريا بانتظار نضوج ظروفه للتفاوض السياسي ، روبما تحت سقف المشاركين سابقا في اطار مينسك ، ولا يبدو بعيدا عن نظرية بوتين فرضية التوصل الى اتفاق بين روسيا واوكرانيا تنسحب بموجبه القوات الروسية ويستمر التفاوض حول القرم لخمسة عشر سنة كما تقول الوثيقة الأوكرانية ، وهي تحت السيطرة الروسية ، بينما الحرب مستمرة في دونباس ، والمشاريع التفاوضية على الطاولة .
- أطلق الغرب وعلى رأسه أميركا مسارا موازيا للمسار العسكري ، هو مسار العقوبات ، وكان الرهان على نتائج مدوية ستصيب القدرات الروسية ، بل تماسك الطبقة السياسية والمجتمع الروسيين ، وصولا لتفكيك التحالفات الروسية الدولية ، وإذا بالنتائج تأتي مخيبة للآمال الغربية والأميركية ، فلم يتحقق شيئ من هذه التوقعات ، بل تحولت العقوبات الى مسار معاكس مع شن الرئيس بوتين لهجوم اقتصادي مالي عبر ربط بيع الغاز لأوروبا بالروبل الروسي ، وهو الحدث الذي صار عنوان المواجهة الذي يتقدم على حساب المسار العسكري تدريجيا ، ولا يخفى أن هذا المسار ليس مجرد رد فعل على نتائج الحرب في أوكرانيا ، فهو إعادة رسم لمعادلات الأسواق العالمية في ملف الطاقة من جهة ، وملف السيطرة المالية والنقدية الغربية والأميركية على نظام التبادل والتسعير ، وتلك ملفات تحدد هوية النظام العالمي الجديد الذي لم يعد مجرد خطاب سياسي روسي ، بل صار هدفا رسميا معلنا لحلف يضم روسيا والصين وإيران والهند وشركاء آخرين في العالم ، ولا يبدو أنه سيتوقف بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا .
- بمثل ما كان مثيرا للسخرية الحديث عن فشل روسي بالتقدم نحو كييف ، صار واضحا ان الدخول الى العاصمة الأوكرانية لم يكن هدفا روسيا ، وبقدر ما كان مثيرا للضحك الحديث عن انهيار الإقتصاد الروسي يبدو مثيرا للانتباه حجم الارتباك الغربي والأوروبي من معادلة الغاز والروبل ، وفي الحالتين تبدو الخلاصة واحدة ، وعنوانها العبقرية الإستراتيجية للرئيس بوتين التي فاجأت الغرب ولا تزال ، أمام هزال قادته وخططهم ، والأخطر أنها تجعل وسائل الإعلام التي كانت منصة الغرب الباقية لتسجيل الأرباح ، الى منصات يتقن الرئيس بوتين توظيفها لحسابه ، عبر مفاجآته المتلاحقة .
2022-04-04 | عدد القراءات 1929