المعركة في أوروبا لكنها على آسيا نقاط على الحروف ناصر قنديل

المعركة في أوروبا لكنها على آسيا  

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- اذا كانت الحملة الغربية عموما والأميركية خصوصا قد نجحت في أيام حرب أوكرانيا الأولى بتصويرها حربا روسية على أوكرانيا ، فالأمر بات واضحا للجميع اليوم بإعتباره جولة من جولات الصراع الأميركي الروسي تدور على تخوم أوروبا ، بإشعال النار في طرف ثوبها ، ووضعها أمام الخيارات الصعبة ، بين تطلعات السياسة التي تلبس ثوب التهديد الأمني ، ومتطلبات الجغرافيا التي تتخذ هيئة المصلحة الإقتصادية ، فالحلف الأميركي الأوروبي عبر الناتو هو تطلعات سياسية برداء القلق الأمني ، ومعادلات سوق الطاقة بعض من نتاج حقائق ومتطلبات الجغرافيا ببعد يتصل بالرفاه والنمو مباشرة ، وبين السياسة التي تشكل متغيرا يقبل التأويل ، والجغرافيا التي تقبل التهاون ولا تعرف التساهل ،  ويقول التاريخ ان من يقاومها يصدم رأسه بالجدار حتى ينكسر ، يظهرقول نابليون أن الجغرافيا ديكتاتور مستبد لا يرحم ولا يقاوم .

- ستستمر طويلا تداعيات المشهد الأوكراني على أوروبا ، ومخاض الوصول للمشهد الأخير لا يبدو قريبا ، مع إدراك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، صاحب قرار الحرب وتوقيتها ، والممسك بمفاتيح التفاوض حول عناوينها ،  أنه يخوض حرب استيلاد نظام عالمي جديد ، ترسم توازناتها وفقا لمكانة أوروبا النهائية من جهة ، وتفرض على أطرافه حسابات ترتبط عضويا بسوق الطاقة ومكانة العملات من جهة أخرى .

- لكن معادلات رسم الوجهة الأخيرة لهذا المسار ليست اوروبية فقط ، ولا أميركية روسية وحسب ، بل هي قبل هذين الوجهين ، آسيوية بإمتياز ، في ظل تعرج  الطريق إلى ذلك الخط النهائي للتموضع الأوروبي الموحد أو المختلف ، حيث تعود أميركيا الى الواجهة معادلات وزير دفاعها الأسبق خلال حرب العراق دونالد رامسفيلد ، عن قرب أوروبا الجديدة للسياسات الأميركية مقابل ابتعاد أوروبا القديمة ، وكان المقصود يومها بأوروبا الجديدة دول أوروبا الشرقية المنضمة حديثا لحلف الناتو ، وأوروبا القديمة هي أوروبا الغربية التي نعرفها وتقودها ثنائية ألمانية فرنسية  ، والمعادلات الآسيوية في تشكيل سياق المشهد الجديد ، تأتي من أن الصراع الضاري الدائر حول نظام عالمي جديد يضع القوى الاسيوية الفاعلة امام خيارات لا تقل مصيرية عن تلك التي تواجهها أوروبا بين تطلعات السياسية ومتطلبات الجغرافيا ، حيث تتخذ في آسيا تدور الخيارات ، بين تهديدات الأمن والاقتصاد وعروضها المصلحية معا بمعيار الجغرافيا من جهة ، تحت عنوان الجديد الصاعد ، من جهة ، ونوستالجيا البقاء في ماض يشيخ ويفشل في ضمان المصالح في الأمن والإقتصاد .

- منذ بداية الحرب وضع الأميركي ثقله لحسم موقع آسيا فيها ، تسليما منه بأن السيطرة على مسارات الحرب وتداعياتها يتوقف على حسم خيارات آسيا ، فالصين بيضة قبان النجاح في العقوبات على روسيا ، ويستحيل على واشنطن الضغط على الصين لضبطها تحت مظلة العقوبات الكلية او الجزئية بينما اقرب حلفاء واشنطن يتمردون ، من "إسرائيل" إلى تركيا إلى الخليج ، حيث حسابات المصالح الأمنية والإقتصادية تبعتد عن العالمية لصالح الإقليمي ، وحيث واشنطن تسلم بإستبداد الجغرافيا فتقول انها غير معنية مرة وغير قادة مرة وغير راغبة مرات ، بسب الأولويات الجغرافية ، وهي بذلك تقول لحلفائها تصرفوا وفقا لما تمليه الجغرافيا عليكم أنتم ايضا ، وهذا ما ساتخلصه افسرائيليون بمقارنتهم بين حسابات المصلحة التي تضعهم بعيدا عن التصادم مع روسيا ، بمثل ما وضعت واشنطن من اطار المصالح سببا للعودة لمفاوضات الإتفاق النووي مع إيران خلافا للمصالح الإسرائيلية ، وما يصح في الحال الإسرائيلية يتكرر بأشكال ونسب مختلفة في الحالتين التركية والخليجية ، لكن غرب آسيا وواجهتها على أوروبا  كله ، ليس الأهم ن بل العمق الآسيوي الذي تمثله الهند والصين هو الذي يبدو مصدر الحدث .

- الهند تتفق مع روسيا على شراء النفط والغاز بالروبية الهندية ، وتشتري شبكات صورايخ الأس 400 ، وترفض قبول البحث مع الغرب بنظام العقوبات على روسيا ، والهند ربع سكان العالم وخامس أكبر اقتصاد في العالم ، وبالتوازي تظهر باكستان الحليف التقليدي لواشنطن وهي تعيد تموضعها ، من بوابة الموقف من العقوبات على روسيا ، لكن بعدما خاضت مسارا بدأ بالتعاون الباكستاني الصيني الممتد لسنوات ، باستثمارات صينية بمئات المليارات من الدولارات ، جعلت مناطق تجارية باكستانية مثل مرفأ كوادرو ذات صفة عالمية ، وباكستان تستجر الكهرباء وتشتري المشتقات النفطية والغاز من إيران ، وتحتضن انبوب غاز إيراني نحو الصين ، وقد وقعت مع روسيا والصين عقد إنشاء السيل الباكستاني الذي يجر الغاز الروسي الى الصين ، ورغم الخلاف التاريخي بين الهند وباكستان وبين الصين والهند ، يبدو أن دول الجوار الأفغاني عازمون على تشكيل حلف جغرافي إقليمي إقتصادي أمني يضم روسيا والصين والهند وباكستان وإيران ، يشكل قلب آسيا الجديدة ، بل قلب العالم الجديد ، وسيتم تشكل أوروبا الجديدة ، غير التي أرادها رامسفيلد ، على إيقاع نبض هذا القلب  .

- لسنا عبيدا عندكم ، التي قالها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للأميركيين صارت صرخة آسيا .

2022-04-05 | عدد القراءات 1284