جنين غزة جديدة نقاط على الحروف ناصر قنديل

جنين غزة جديدة 

نقاط على الحروف 

ناصر قنديل

- لا ينفصل التفكير بمخيم جنين في عقول القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية عن التفكير بغزة ، ففي عام 2002 عندما اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين بعد قتال امتد لأيام وأسابيع ، وانتهت بالمجزرة التاريخية التي نفذها شاؤول موفاز رئيس أركان جيش الاحتلال يومها ، كانت المعركة التي أطلق عليها جيش الإحتلال تسمية السور الواقي ، تشتمل على عمليات توغل في قطاع غزة ، سميت بمعركة الأنفاق يومها ، وكان رهان الإحتلال على مذبحة جنين لردع غزة التي كانت تتنامى فيها ظاهرة المناطق المغلقة بوجه جيش الإحتلال ، أملا بتفادي معركة اقتحام مكلفة لغزة ، كان يحاول دائما تفاديها ، ولم يكن من باب الصدفة أن الإحتلال عندما قرر الانسحاب من غزة وتفكيك مستوطنات غلاف غزة عام 2005 ، قام بالتزامن بتفكيك أربعة مستوطنات ومعسكر في غلاف جنين وهي " قديم وغنيم وحومش وصانور ومعسكر دوثان" ، بل إن الإحتلال عندما قرر الإنسحاب من طولكرم عام 1995 وضمها إلى مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية ، وهي من المناطق المحتلة عام 1948 بخلاف كل مناطق التفاوض في اتفاقات أوسلو المحتلة عام 67 ، فعل ذلك لقرب طولكرم من جنين ، وتشكيلهما معا ثنائيا للمقاومة ، وخشيته من أن تشكل طولكرم لاحقا لسانا لجنين داخل حدود ال48 يشكل الدخول السهل إليها بالنسبة للمقاومين دخولا الى عمق الكيان .

- ليس بين قيادات الإحتلال من يزعم بأن جذوة جنين قد أطفئت عبر مذبحة عام 2002 ، ففي كل مرة كانت تشتعل المواجهات بين شباب وصبايا وفلسطين وجيش الإحتلال كان النصيب الوافر للحضور لمخيم جنين ، وفي كل مرة كانت الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 48 تشهدان تصاعدا في عمليات المقاومة ، كانت عين الإحتلال على جنين ، حيث نبع لا ينضب للمقاومين ، وعندما تمت عملية نفق الحرية التي انتهت بتحرير عدد من المقاومين الأسرى لأنفسهم ، كانت عين الإحتلال على جنين ، فإذا بلغوا المخيم تغيرت طبيعة المواجهة ، وربما تكون قد دخلت في نفق آخر ، وفي هذه الموجة الصاعدة الأخيرة من عمليات المقاومة لم يكن خافيا أن لجنين مكانة خاصة ، سواء في عدد الإستشهاديين الذين شكلوا عناوين هذه الموجة الصاعدة ، أو في حالة النهوض المقاوم التي عرفها المخيم وعبر من خلالها عن الإنتقال الى مرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال .

- بين كل مناطق الضفة الغربية تشكل جنين مدينة ومخيم وجوار بؤرة مثالية للمقاومة ، وعقدة صعبة التفكيك على الإحتلال ، ففي جنين تتركز الهياكل العسكرية المنظمة لقوى المقاومة بكل فصائلها من سرايا القسام الى سرايا القدس الى تشكيلات الجبهة الشعبية ، ولكن أيضا وقبل كل شيئ في جنين تربض البنية الصلبة لكتائب شهداء الأقصى ، ويتركز الحضور المقاوم لحركة فتح المتمايز بقوة عن مناخ انخراط الكثير من كوادر فتح في أجهزة السلطة وتورطها مع الاحتلال عبر التنسيق الأمني ، وكل معركة مع جنين مرشحة للتحول الى معركة مثلثة ، مع غزة حيث البنى الداعمة لفصائل المقاومة التي تملك رأس حربتها في جنين ، ومع فتح التي تملك بنيتها النضالية الصافية وكوادرها المشبعة بروح المقاومة في جنين ، ومع الضفة الغربية التي تشكل جنين قلعتها وملجأ مقاوميها الملاحقين من السلطة والاحتلال ، ومشكلة الإحتلال أنه إذا أراد تفادي مواجهة مجهولة النهايات وتخرج عن السيطرة ، مع غزة وفتح والضفة ، فعليه أن يتفادى مواجهة مفتوحة مع جنين ، فبعض قادة الإحتلال يقولون أن معركة شاملة للسيطرة الكاملة على جنين وتجريدها من مقاومتها واسلحتها قد تؤدي الى تفكيك السلطة وفرز حركة فتح بصورة لا يحتملها الاحتلال ، وقد تؤدي الى حرب مفتوحة مع غزة ، وقد تؤدي الى اشتعال انتفاضة شاملة في كل أنحاء الضفة الغربية .

- مشكلة الإحتلال في التفكير بـاقتحام وتمشيط جنين لا  تقل عن مشكلته في التساكن مع جنين ، فيوما بعد يوم تتحول جنين إلى غزة ثانية ، حيث تتشكل بنية عسكرية منظمة ، وتبدأ الأنفاق بالظهور ، وتتحول الكهوف والمغر في جوارها الى قواعد عسكرية منظمة ، وتتموضع فيها أسلحة نوعية ، وتشكل قاعدة إنطلاق تملك طرق الوصول السهلة الى عمق الأراضي المحتلة عام 1948 ، وتشكل تدريجيا قاعدة تقود مواجهات الضفة الغربية ، وسرعان ما ستتحول بقوة التشابك السكاني والجغرافي إلى بقعة زيت تكبر فتكبر حتى تلتحق بها مدن ومخيمات جديدة في الضفة .

- يقول بعض الخبراء في كيان الإحتلال أن نهاية الكيان وتفككه يبدآن من جنين ، بمجرد التسليم بأن جنين غزة أخرى لا يجب التورط في حرب مفتوحة معها ، ويقول آخرون ان نهاية الكيان وبدء تفككه يبدآن من جنين عندما تقرر حكومة الكيان اقتحام جنين فتشتعل حرب جديدة مع غزة وتتحول فتح إلى جسم منتفض ومقاوم ، وتشتعل الضفة الغربية في حال انتفاضة وعمليات مسلحة واشتباكات متنقلة ، فبدلا من خطر خروج جنين عن السيطرة تصبح الضفة وربما كل المنطقة خارج السيطرة . 

- النقاش المفتوح داخل الكيان حول جنين يستعيد النقاش المفتوح حول غزة قبل أعوام ، تماما كما كان النقاش المفتوح حول غزة استعادة للنقاش الذي كان قبله حول جنوب لبنان ، وتلك هي شارات انحلال الكيان نحو زوال محتوم لا يملك قادته فعل شيئ لرده أو تفاديه .

2022-04-11 | عدد القراءات 1234