الغرب مفلس في مواجهة بوتين …والحرب تستمر طويلا
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- هناك مجموعة من الحقائق يلتقي عليها المحللون والخبراء على ضفتي الغرب والشرق ، يمكن لها أن تشكل إطارا لقراءة مسار الحرب في أوكرانيا وتداعيات ما يدور حولها ويتبلور من توازنات دولية جديدة ، أول هذه الحقائق أن كل ما يمكن أن يقال عن دعم عسكري لأوكرانيا قد يساعد في إلحاق خسائر بالجيش الروسي ، لكن التحول النوعي وقف على قرار يبدو مستحيلا على الغرب وهو الدخول مباشرة في الحرب ، وثاني هذه الحقائق هو أن كل ما يمكن أن يقال عن العقوبات وأنها تؤتي ثمارها ، يمكن أن يتسبب بالمتاعب لروسيا لكنه لن يغير عميقا ما دامت أوروبا تمول روسيا يوميا بمليار يورو كثمن تسدده لقاء شراء الغاز والنفط منها ، وثالث هذه الحقائق أن كل ما يمكن أن يقال عن عزلة دولية للرئيس الروسي بقياس حجم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان ، والسيطرة الغربية على الإعلام يبقى مؤذيا لروسيا لكن القيمة الفعلية لما يمكن أن يشكل تغييرا جوهريا في السياق الدولي للحرب ولموقع روسيا الدولي بسبب الحرب يتوقف على النجاح في استقطاب الصين إلى الضفة المقابلة لروسيا ، وخلال 46 يوما من الحرب يبدو يوما بعد يوم ان ما كان صعبا في يومها الأول صار مستحيلا على هذه الأصعدة الثلاثة ، فلا الناتو جاهز للتورط في الحرب ، ولا الإتحاد الأوروبي قادر على وقف استيراد النفط والغاز من روسيا ، ولا مشاريع استقطاب الصين تلقى النجاح ويمكن أن يؤمل منها شيئا .
- محدودية قدرة الغرب على التحرك في هذه المحاور الثلاثة تجعله يقاتل على القشرة ، بعيدا عن جوهر ومقتضيات القدرة على إحداث تغييرات استراتيجية ، وهو مضمون ما يمكن وصفه بالإفلاس الإستراتيجي ، وهكذا يصير الزمن لاعب هام يصب الماء في الطاحونة الروسية ، فيوما بعد يوم تظهر محدودية ما يستطيع الغرب تقديمه عسكريا لأوكرانيا ، وسط مزيد من الخراب واللاجئين ، وتتقدم الحاجة للتعامل بجدية أكبر مع مفاوضات قبول الحياد ، الذي حددته روسيا هدفا أوليا للحرب ، التي ستنتقل مخاطرها إلى الدول التي اعلنت نيتها الإنضمام الى حلف الناتو وخصوصا فنلندا والسويد بذات المنطق ، لا ناتو في الجوار الروسي ، وبالتوازي يوما بعد يوم ستظهر محدودية العقوبات ، وحجم تأثير إرتباط أوروبا بالإمدادات الروسية من النفط والغاز والحبوب والزيوت ، وإرتفاع الأسعار وفقدان المواد يضغط على الأسواق والمستهلكين ، ويتأكد أن المسار تصاعدي ودائم ، وليس مجرد لحظة معاناة عابرة ستنتهي بعد أسابيع ، وتبدأ أقدام المتظاهرين تعزف لحن الإحتجاج في ساحات المدن الأوروبية ، وتسيطر الستر الصفراء على إيقاعها ، وعلى مقلب غير بعيد تظهر الصين طرفا مباشرا في المواجهة مع الغرب ، بعد مزاعم كاذبة عن فعالية الضغط على الصين لتحييدها ، ويبدو أن هناك حلف روسي صيني قد اتخذ القرار بإنهاء الهيمنة الغربية على العالم ، كما قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ، تمهيدا لقيام نظام عالمي جديد كما قال وزيرا خارجية روسيا والصين قبل اسبوعين .
- السؤال المحوري هو ماذا يستطيع الغرب ان يفعل ، والجواب كما صاغه أغلب محلليه ومفكريه ، هو مزيد من السلاح لأوكرانيا والتشجيع على الصمود والقتال ، ومزيد من العقوبات ، وخطط متوسطة وطويلة الأجل للإستغناء عن الإمدادات الروسية ، ومزيد من الضغط على الصين وشرح مخاطر تموضعها مع روسيا ، وهذا لا يعني سوى أن تضيف على الفشل المزيد من الفشل ، طالما أن أحدا لا يجرؤ على تجاوز الخطوط الحمراء ويدعو لتجربة تجرع الكأس المرة ، كأن يقول لا حل الا بدخول الحرب ، أو فلنخاطر بوقف إمدادات النفط والغاز من روسيا ، أو فلنذهب الى العقوبات على الصين ، والسبب ليس الجبن او ضعف المخيلة ، بل لأن نتائج مثل هذه الخطوات تخطت مرحلة الفرضيات والاحتمالات الى مرحلة النتائج المؤكدة بوقوع كارثة ، لذلك تبدو الحرب مفتوحة على مزيد من الوقت ، كنار هادئة لا بد منها حتى تنضج الطبخات الثلاثة ، طبخة حياد أوكرانيا وردع مثيلاتها عن المخاطرة بالإنضمام للناتو ، وطبخة عقلنة أوروبا وعودتها الى بيت الطاعة في منطقة الوسط بين أميركا وروسيا ، والنزول عن صهوة حصان الغطرسة والعنجهية ، وطبخة التكامل الروسي الصيني السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي بتبلور ادوات تضمن عالم متعدد الأقطاب والعملات .
2022-04-12 | عدد القراءات 1342