لبنان وأوكرانيا بين مراتب الدول المستقلة نقاط على الحروف ناصر قنديل

 

 

 

لبنان وأوكرانيا بين مراتب الدول المستقلة 

نقاط على الحروف

 ناصر قنديل

- قد يكون لبنان من بين أكثر الدول التي يتضمن الخطاب السياسي لأحزابها وشخصياتها مفردات السيادة والاستقلال ، وعلى مدى سنوات طويلة ، ما يوحي من الخارج ان هذا البلد يملك حساسية عالية تجاه مسألة القرار المستقل للدولة وكيفية ممارسته ، ومثله كانت أوكرانيا دولة يكثر فيها الحديث عن السيادة والإستقلال ، ومقابلهما دول كثيرة لا تجادل في هذا الشأن ولا يحتل أي حيز في برامج أحزابها ، وهذا يضم دولا وكيانات في المنطقة وخارجها ، داخل أوروبا وخارجها ، وقد أتاحت الحرب الأوكرانية فرصة مثالية والاستقطاب الدولي الكبير حولها لفحص مراتب القرار المستقل لدى الدول ، ومدى مطابقة قراراتها لحسابات "المصلحة الوطنية العليا" التي يشكل الاحتكام إليها أول وأهم معايير القرار المستقل للدولة .

- التجاذب الأميركي الروسي الذي صار محور الاستقطاب حول الحرب ، كان بالنسبة لدول كثيرة في العالم تناصب أحدهما العداء ، وتعتبره مصدر خطر على الأمن القومي أو تهديدا للمصالح العليا ، او تربطه بأحد الطرفين علاقة مصالح عليا وجغرافيا سياسية وأمن قومي ، مناسبة لتأكيد تمسكها بتحالفها مع أحد طرفي التجاذب كترجمة لمفهوم القرار المستقل ، وكان هذا حال كندا واستراليا وبريطانيا وكوريا الجنوبية واليابان من جهة والصين وكوريا الشمالية وسورية وبيلا روسيا والجزائر وإيران من جهة مقابلة ، وبدأ تدرج المواقف الأوروبية من وقف إمدادات الغاز والنفط من روسيا ، الذي يشكل معيار الإصطفاف الكامل على الضفة الأميركية يقدم تظهيرا لحسابات القرار المستقل بالنسبة لدول يوفر هذا المصدر لشعوبها فرقا حيويا في نموها الاقتصادي ومستوى رفاه شعوبها ، فتباينت ألمانيا وبولندا بدرجة الإستقلال في مقاربة قرارات الدولة ، فغلبت بولندا اصطفافها مع واشنطن على حساب مصلحتها الوطنية ، بينما فعلت ألمانيا العكس .

- في المنطقة أظهرت دول وكيانات محسوبة على المحور الأميركي بقوة وبعضها يتربط بعضوية حلف الناتو ، وبعضها بمعاهدات تعاون استراتيجي كحليف أول ، وبعضها يعتبر محميات أميركية ، أن معايير القرار المستقل لديها المحسوبة على قياس المصلحة الوطنية العليا ، لا تزال تحت لمكانة محورية في إتخاذ القرارات ، فلم تنضبط تركيا بالقرارات الأميركية بمعاقبة روسيا وقالت علنا ان هذا يحدث بقوة الحفاظ على المصالح العليا للدولة ، خصوصا على الصعيدين الاقتصادي والأمني ، وقال كيان الإحتلال شيئا شبيها ليفعل شيئا شبيها ، وفي الخليج وقفت السعودية والإمارات والكويت وقطر مواقف مماثلة ، كما فعلت مصر وتونس ، بينما قررت دول مثل المغرب ولبنان والصومال في التصويت على قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان الغياب الذي اقترحه الأميركيون في ظل شبه إجماع عربي على الإمتناع ، بإعتباره اقرب المواقف لتأييد الموقف الأميركي في ظل صعوبة التصويت المؤيد علنا ، لأنه لا يحتسب في التصويت النهائي الى جانب الإمتناع ، بل  لايحسب نهائيا .

- التشابه بين أوكرانيا ولبنان هو أنه في لحظة فاصلة كان بمستطاع القرار السياسي أن يعبر عن القرار المستقل في التعبير عن المصالح العليا للدولة سقط صناع القرار في الإمتحان ، وورطوا بلدهم في إصطفاف لا يجلب الا المزيد من المشاكل والأزمات ، ففي أوكرانيا كان مؤكدا ان حلف الناتو لن يضم أوكرانيا ولن يخوض الحرب معها ، كما كان واضحا أن شطب اوكرانيا للسعي للإنضمام للناتو من دستورها واعلان حيادها سيكفيان لتجنيبها الحرب ، ورغم ذلك غامرت القيادة الأوكرانية بالتورط في  حرب دمرت بلدها وهجرت شعبها تحت غوغاء السيادة والإستقلال ، لتخوض حربا بالوكالة عن أميركا ، بينما في لبنان حيث كانت الذريعة الدائمة لتغطية المواقف المشتبه بتلبيتها لتعليمات أميركية هي الإختباء وراء موقف عربي تعبر عنه دول الخليج ومصر ، وجاءت اللحظة حيث يتيح التطابق مع الموقف الخليجي ومصر قدرا من حفظ ماء وجه القرار المستقل للبنان ، غامرت القيادة السياسية بالتورط بموقف مخزي ومشين ، ليس له من تفسير الا فقدان القرار المستقل والسير وفقا للتعلميات الأميركية ، التي تمردت عليها دول وكيانات تمثل امتدادا للسياسات الأميركية وتربطها بها مصالح عضوية وجهت مرارا ضد لبنان كحال "إسرائيل " ، التي تجرأت على قول لا حيث اقتضت مصلحتها ذلك ، بينما ظهر لبنان أميركيا أكثر من إسرائيل وتركيا ، وأشد حرصا على مراضاة أميركا من دول الخليج ومصر ، وظهر ان اللإختباء وراء الموقف العربي كان غالبا لتبرير التموضع حيث ترغب واشنطن ، لا حيث يقف العرب ولا حيث مصلحة لبنان .

2022-04-16 | عدد القراءات 1446