نقطة تحول على حافة الهاوية :
"إسرائيل" بين الحرب الإقليمية والحرب الأهلية
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- معادلتان قاسيتان تعبران عن مأزق حكومة كيان الاحتلال ، هذه الحكومة وأي حكومة لاحقة ، المعادلة الأولى هي معادلة الردع التي فرضتها قوى المقاومة في المنطقة عموما ، والتي وضعت سقفا لحدود القدرة العسكرية الإسرائيلية في فرض السياسات ، بغياب قدرة أي حكومة إسرائيلية على كسر الجمود السياسي بمبادرات قادرة على إحياء المسار التفاوضي ، ونجحت معركة سيف القدس بتسييل معادلة الردع العامة هذه الى معادلة خاصة ، تضع مستقبل توحش وتغَوٌل المستوطنين والمتطرفين الدينيين اليهود في كفة تعادل نشوب حرب ، تبدأ بين غزة وجيش الاحتلال ، وتبقى فرضية تحولها الى حرب إقليمية ، مفتوحة ، والمعادلة الثانية هي معادلة التبعية للتيارات المتطرفة بين المستوطنين والجماعات الدينية في الكيان ، بصفتها الجماعات الوحيدة الباقية في السياسة ، بعدما غادرت الأحزاب التاريخية المسرح وتلاشى بعضها ، كنتاج لموت السياسة في الكيان ، حيث الحرب والتفاوض في حالة موت سريري ، وكما يبتز بنيامين نتنياهو حكومة نفتالي بينيت بالوقوف وراء المتطرفين أملا بالعودة الى المسرح ، سيجد من يفعل معه المثل عندما يعود ، وسيجد أنه يفعل ما فعله بينيت وهو في الحكم ، وقد سبق لنتنياهو أن فعله مع معركة سيف القدس الأولى ، قبل أن يطرده بينيت بقوة اللعبة ذاتها .
- شيئا فشيئا يضيق هامش المناورة أمام اي حكومة في كيان الإحتلال ، وتجد رأسها مضغوطا بين فكي كماشة يقتربان من بعضهما تدريجيا ، بحيث يصير على الحكومة ، سواء كانت حكومة بينيت او نتنياهو وشارون إذا عاد من قبره ، أن تختار بين إثنتين ، أولاهما ، الذهاب بعيون مفتوحة نحو توفير الغطاء لتحركات المستوطنين والمتطرفين ، المدفوعة بقوة عدم الثقة بالحكومات والسياسة ، وبقوة القناعات العقائدية المتطرفة ، التي تقوم على قتل العرب من مسلمين ومسيحيين ، ووضع اليد على أملاكهم وتدمير مقدساتهم ، وفي هذه الحالة تكون الحكومة مدركة بكامل وعيها أنها ستدفع ثمن تماسك المتطرفين والمستوطنين وراءها ، بالمخاطرة بالذهاب إلى حرب جديدة مع المقاومة في غزة ، ولاحقا في المنطقة ، وأن لا أمل يرتجى من الفوز بهذه الحرب عسكريا ، ولا قدرة على تحمل دفع الثمن اللازم سياسيا لوقفها ، لأنه يبدأ بالأخذ على أيدي المستوطنين والمتطرفين ، والتعهد بعدم انتهاك حقوق المقدسيين ومقدساتهم ، وثانيتهما ، التموضع بعيدا عن المستوطنين والمتطرفين تفاديا لخطر الحرب ، وهذا سيعني لاحقا الأخذ على أيديهم ومنعهم من التفلت من الضوابط التي تمنع نشوب الحرب ، وهذا سيعني المخاطرة بالتصادم معهم ، والإنتقال تدريجيا الى مناخ إنقسام أهلي يهودي ، بين مفهوم سلطة تبحث عن الإستقرار الإقليمي في لحظة ضعف قاسية ، ومفهوم مجتمع متطرف ومسلح ولا حدود لإستعداده لمواجهة مؤسسات السلطة عندما تعترض طريقه المرسوم بقوة العقيدة التي قامت على أساسها السلطة ذاتها ، وبين خياري الحرب الإقليمية والحرب الأهلية ، قد تطول الرحلة نسبيا ، لكنها ستتقدم مهما حاولت حكومة الكيان ، أي حكومة ، التذاكي والسير بين النقاط تفاديا للبلل ، لأن ما يبدو مجرد رذاذ اليوم سيكون غدا مطرا غزيرا .
- كما ابتكرت حكومات الكيان نظرية المعركة بين حربين ، لتفادي الإعتراف بالعجز عن خوض حرب ، وهي تعلم أن صيغتها المبتكرة لا تغير في موازين القوى ، ولا تشكل بديلا عن خيار الحرب أو العودة للمسارات السياسية ، وتعزي نفسها بأنها تنجح بشراء الوقت أملا بمجهول لا تعلمه ولا تملك أدنى إشارات على ماهيته وامكانية قدومه ، فيكفي شراء الوقت لترحيل اللحظة الحاسمة من حكومة إلى حكومة ، ستبتكر هذه الحكومة وما يعقبها من حكومات نظرية ضربة على الحافر وضربة على السندان ، فتبيع المستوطنين والمتطرفين معركة يخوضونها وتقف وراءهم ، كما فعلت في تبنيها لزيارتهم الاستفزازية للمسجد الأقصى ، ومن ثم تلجمهم كما فعلت في منع مسيرة الأعلام ، من الوصول الى باب العامود ، ولكن ذات مرة ستتحول واحدة من هاتين او كليهما الى مواجهة خطرة ، وسيكون على حكومة الكيان ، أي حكومة ، أن تختار بين الحرب الإقليمية والحرب الأهلية ، وما حدث بالأمس هو نقطة التحول على حافة الهاوية التي دخلتها حكومة بينيت وسترثها منها أي حكومة لاحقة .
2022-04-21 | عدد القراءات 1510