نصرالله : إنتهت المعركة بين حروب
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- كثيرة هي القضايا التي تناولها وحللها واتخذ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله موقفا منها ، في كلمته بمناسبة إحياء يوم القدس العالمي ، لكن المعادلات التي رسمها تعلن مرحلة جديدة من المواجهة مع كيان الاحتلال في المنطقة ، ونحن نتحدث هنا عن شيء آخر ومختلف عن مسار انحلال وتفكك الكيان تحت تأثير المسارات التصاعدية لحركة قوى المقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني ، داخل الأرض الفلسطينية ، فالحديث عن البيئة الإقليمية المحيطة بهذه المواجهة الدائرة و المتصاعدة في فلسطين ، وهي شيء آخر ومختلف أيضا عن الإلتزام المؤكد والمجدد لمحور المقاومة ، بمعادلة الردع لحماية القدس ، القائمة على إستعداد المحور لخوض حرب إقليمية إذا تعرضت القدس للخطر .
- الجديد هو معادلة الرد على الاعتداءات الإسرائيلية ، التي تشكل سورية ساحتها الرئيسية عبر الغارات المستمرة ، والتي تستهدف وفق الإعلان الإسرائيلي مواقع ومنشآت تعود لكل من إيران وحزب الله ، بالإضافة الى عمليات رديفة لها في مواقع وساحات أخرى غير سورية ، كالإستهداف الإسرائيلي الاستخباري لعلماء ومنشآت البرنامج النووي الإسرائيلي ، وهذه المروحة من العمليات التي تملأ عبرها قيادة الكيان الفراغ الإستراتيجي الناجم عن عجزها في الذهاب الى حروب كبرى ، وعجزها الموازي عن إطلاق مبادرات سياسية كبرى ، ويسميها الإسرائيليون بالمعركة بين حربين .
- المعركة بين حربين هي الصيغة التكتيكية البديلة للجمود ، على قاعدة الخشية من حرب لا تتحمل "إسرائيل" تبعات التورط بها ، من جهة ، وعدم توافر القدرة على إطلاق مبادرات سياسية تستقطب قوى وتعطل موازين قوى تقف على خط المواجهة ، وتقوم هذه الصيغة التكتيكية على لعبة حافة الهاوية ، بإختيار العمليات التي تمنح "إسرائيل" تفوقا تكتيكيا وتضع بيدها زمام المبادرة ، وتستنزف المعسكر المقابل بموارده البشرية وعتاده العسكري ، وكلما كانت ضرباتها أشد إيلاما وأكبر أذى ، دون أن تؤدي الى التورط بحرب ، كانت أكثر تعبيرا عن مفهوم المعركة بين حربين ، لكن نجاح هذه النظرية التكتيكية خلال سنوات بملء الفراغ الإستراتيجي لدى كيان الاحتلال ، كان ناشئا عن إدراك أكدته التجربة بأن الجبهة المقابلة لا ترغب بالتورط بحرب ، وأنها ترسم قواعد إشتباك لشروط وطبيعة ردودها ، ما يمنح القيادة الإسرائيلية فرصة رسم مسارات مرنة ومتحركة وفاعلة لمعركتها بين حربين ، حرب وقعت وحرب لا تريد لها أن تقع .
- إنطلق الحساب الإسرائيلي من أن إيران منهمكة بمعالجة تداعيات الحصار الإقتصادي ، وهي بغنى عن مواجهة كبرى مع "إسرائيل " ، وهي منهمكة بتطوير برنامجها النووي ، ومنهمكة برسم خطوط سياستها الخارجية بين حدود العودة للإتفاق النووي والحفاظ على مكانتها الإقليمية القوية ، وأن سورية منهمكة بمعاركها مع تركيا وأميركا ومخرجاتهما المحلية في شمال سورية شرقا وغربا ، وهي تراعي الحسابات الروسية كحليف ثابت وكبير في هاتين المعركتين ، وأن سورية تحت وطأة حصار إقتصادي ومعاناة إجتماعية كبيرة ، ولذلك فهي ستتفادى الإنخراط بمواجهة تزيد عليها الأعباء وتخلط الأوراق وتربك الحسابات ، وأن حزب الله الذي يراعي الحسابات السورية والإيرانية من جهة ، يواجه في لبنان وضعا سياسيا ضاغطا ومتحركا في السياسة والاقتصاد ، ما يجعله يكتفي بالعمل وفق الضوابط التي صاغها وقواعد الاشتباك التي رسمها ، بإعتماد الرد عند سقوط شهداء ، وغالبا الاحتفاظ بحق الرد في حساب مفتوح لم يغلق ولن يغلق .
- الذي قاله السيد نصرالله في يوم القدس لهذا العام أن على "إسرائيل" أن تعلم بأن هذه الحسابات تغيرت ، وأن هامش الحسابات صار ضيقا جدا ، في حجم الإستعداد للتحمل وفي الزمن الفاصل عن الرد ، وأن إيران تتهيأ لمرحلة جديدة ، سيكون الرد فيها على أي استهداف ، في العمق الإسرائيلي ، وكلام السيد يعني ان الغارات الاسرائيلية التي تستهدف الإيرانيين في سورية ستلقى هذه المرة ومن الآن وصاعدا ردا في عمق الكيان وعلى الأرجح أن يأتي الرد من العمق الإيراني ، وأن حزب الله في أي حماقة إسرائيلية قادمة سيرد فورا وبما يناسب ، وهذا يعني أن قواعد الاشتباك التي ولدت وتكرست في زمن المعركة بين حربين قد سقطت ، وأن المعركة بين حربين صارت مشروع حرب ، وعلى "إسرائيل" إذا جازفت توقع نشوبها والتورط فيها .
2022-04-30 | عدد القراءات 1311