الإنتخابات والأولويات : خطر الحرب الأهلية بين السطور
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- السؤال الرئيسي الذي يجب أن تمتلك القوى السياسية التي تخوض الإستحقاق الإنتخابي هو عن خطتها في اليوم الذي يلي الإنتخابات في حال نيلها التصويت الذي طلبته من الناخبين ، والمقصود هو التصور الواقعي لما سيحدث وكيف سيكون المسار الذي توضع عليه البلاد ، وهنا يظهر لدى أي مراقب أن هناك ثلاثة أنواع من الخطاب السياسي ، الأول هو خطاب قوى كبرى مناوئة للمقاومة ، ربطت كل الأزمة بحضور المقاومة وسلاحها ، واتهمتها بالهيمنة على قرار الدولة وتجييره لمشروع خارجي ، واعتبرت ذلك هو السبب بالأزمة المالية والاقتصادية التي أوصلت لبنان للإنهيار ، واختصرت رؤيتها للإنتخابات بإعتبارها فرصة لإستعادة الدولة من هذه الهيمنة وتغيير مسارها ، عبر نيل اغلبية نيابية تمثل تفويضا لتشكيل حكومة تتولى مهمة المواجهة مع المقاومة وسلاحها ، من موقع مؤسسات الدولة الدستورية والسياسية والأمنية والعسكرية والقضائية ، والنوع الثاني من الخطاب هو للمقاومة وقوى كبرى حليفة لها ، يقوم على طرح أفكار لحلول لبعض عناوين الأزمة لكنه يقول ان الاصل يبقى في التوافق السياسي سواء لتطبيق الحلول الإقتصادية ، أو لمعالجة الخلاف حول المقاومة وسلاحها ، وحول النظام السياسي وفرص إصلاحه ، ولذلك يدعو هذا الخطاب الى حكومة وحدة وطنية تضمن أوسع تمثيل سياسي للقوى التي تفوز بالإنتخابات .
- الخطاب الثالث فهو الذي يحاول التميز على الضفتين ، فبعضه يشترك مع مناوئي المقاومة في خطابهم الذي يحملها مسؤولية الإنهيار ويضيف اليها تركيبة النظام والفساد والسياسات المالية ، وبعضه يشترك مع القوى المؤيدة للمقاومة في رؤيته لها كحاجة وضرورة في حماية لبنان وإستقراره ، لكنه يضيف خصوصية في خطابه للملفات الداخلية الإقتصادية والإصلاحية ، ويقدم تعهدات بملاحقتها سواء بما يتصل بمواجهة الفساد أو بعناوين مثل أموال المودعين وإصلاح النظام المصرفي ، ومشكلة هذين الفريقين أنهما يعرفان ويعترفان بإستحالة قدرتهما على نيل أغلبية مستقلة تمكن أي منهما بوضع خطابه الخاص في موقع تسيير الدولة ومؤسساتها ، فيصير الجواب عن سؤال ماذا في اليوم الذي يلي الإنتخابات ، مربوطا بالجواب على سؤال في أي من الأغلبيتين سيقف كل منهما ، حيث يبدو وبوضوح أنه مهما كان هامش مناورة البعض المناوئ لسلاح المقاومة بنكهة مجتمع مدني ، فسوف يجد الخطاب الذي يقول بتزكية حكومة أغلبية للفائزين من مناوئي سلاح المقاومة ، ويقتصر تميزه على طلب مراعاته بترشيح نواف سلام بدلا من فؤاد السنيورة ، بينما على مستوى البعض الآخر المتميز بين حلفاء المقاومة ، فسوف يجد نفسه أمام إستحقاق تشكيل حكومة جديدة يكرر ما سبق وفعله ، بالسعي للحصول على أفضل فرص التمثيل فيها ، مع إدراك صعوبة بل إستحالة تشكيل حكومة أغلبية من حلفاء المقاومة ، وحتمية السير بحكومة أوسع تمثيل ممكن ، كما جرى مع تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي .
- في الخلاصة سيتم صرف فائض قوة التصويت في الإنتخابات بوضع لبنان أمام أحد مسارين ، الأول إذا فاز خصوم المقاومة ، وواضح جدا أنه سيترجم بتسمية شخصية تتراوح بين فؤاد السنيورة ونواف سلام لتشكيل حكومة لون واحد تستند الى الأغلبية ولو كانت طفيفة ، وستكون جمعيات المجتمع المدني فرحة بالإنضمام ، بما في ذلك تشكيلاتها التي تشعل الإشارة نحو اليسار لكنها تعطف في النهاية الى اليمين ، ولو سلمنا جدلا بفرصة تحقيق هذه الفرضية فهي ستعني ان حكومة جديدة بلون واحد ستضع يدها على مقدرات الدولة وتحاول استخدام هذه المقدرات القانونية و القضائية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية لرفع اي غطاء شرعي عن المقاومة ، وبدء حملة لمواجهتها ، ستكون خلالها الحرب الأهلية وتفكيك مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية أقل المخاطر المتوقعة ، لأن الوصفة التي تمثلها حكومة الأغلبية ، هي نسخة ما بعد اتفاق الطائف ، الذي نقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء ، لما جرى خلال حكم الرئيس أمين الجميل ، حين كانت المقاومة أضعف ، ولم يكن هناك سلاح فلسطيني ، وقرر تصفية هذه المقاومة بقوة الدولة وزج بعشرات الآلاف في السجون ، واجتاح الجيش المناطق وقصفها ، وكانت النتيجة تدمير الدولة والجيش والبلد .
- المسار الثاني هو ما ستؤول إليه الأمور إذا فاز حلفاء المقاومة بالأغلبية ، حيث سنكون أمام مشاورات لتسمية شخصية توافقية لرئاسة الحكومة ، ربما تطول منعا للوقوع في حكومة اللون الواحد ، ومثلها سنكون بعد التسمية أمام مشاورات لضمان أوسع مشاركة في الحكومة ، وربما تطول أيضا ، وربما نبلغ الإنتخابات الرئاسية والحكومة الحالية في حال تصريف أعمال ، وعندما تتشكل حكومة سيكون برنامجها الحوار للتوافق على حلول للأزمات ومنها الأزمة المالية ، وهو مسار لا يعد بحلول جذرية ولا بحلول سريعة ، لكنه يعد بحماية نعمتين كبيريتن حققهما اللبنانيون ، تصح فيهما مقولة "الصحة والأمان نعمتان مفقودتان" ، اي أننا لا ندرك مكانتهما حتى نفقدهما ، والنعمة الأولى هي ردع الخطر الإسرائيلي والثانية هي عدم المخاطرة بالسلم الأهلي ، وفق معادلة تقول أن أكبر الخسائر الناتجة عن طول الأزمة حتى تحقيق التوافق ، هي أقل بكثير من الخسائر التي ستنتج عن التهاون ليوم واحد بتعريض السلم الأهلي للخطر بداعي فرض رؤية فريق بالقوة .
- الذين سيذهبون للإنتخابات مدعوون قبل النظر في الوعود الإنتخابية والانفعالات والعواطف والشعارات ، إلى السؤال ، هل أن تصويتهم سيجعل خطر الحرب الأهلية أقرب أم أبعد ؟
2022-05-06 | عدد القراءات 1339