حروب حافة الهاوية : أوكرانيا وفلسطين
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- خلال الشهور الثلاثة الماضية استهلكت الحرب المفتوحة والمعلنة في أوكرانيا ، والحرب المفتوحة دون إعلان في فلسطين ، كل الهوامش المتاحة للبقاء ضمن حدودهما ، والبقاء على نار هادئة ، فقد استهلك الأطراف المنخرطون في هذين الحربين هوامش تفادي الدخول في المواجهة المباشرة ، وهم في حرب أوكرانيا روسيا من جهة وحلف الناتو من جهة أخرى ، وفي حرب فلسطين كيان الإحتلال من جهة ومحور المقاومة من جهة مقابلة ، وليس خافيا أن مشروع حلف الناتو كان يقوم على رهان استنزاف روسيا عسكريا من خلال خطة تقوم على تعزيز قدرات الجيش الأوكراني وتزويده بالسلاح والمال والوقود والمرتزقة ، وعلى دفع الإقتصاد الروسي نحو الإفلاس عبر السطو على مخزونات العملة الصعبة للدولة الروسية ، ودفع سعر الروبل للإنهيار ، لتضييق هامس قدرة الدولة الروسية على مواصلة الحرب ، وهذه الرهانات استنفدت قدرتها على التأثير ، فالجيش الأوكراني يدخل أزمة ساتنفادقدرة الصمود خصوصا على صعيد البنية البشرية وخطوط الإمداد ، وإمكانات التزود بالوقود ، و الاقتصاد الروسي تجاوز المحطات الصعبة ودخل في التأقلم الطويل المدى ، بعدما نجح بتصدير الأزمة إلى أوروبا وفق معادلة الغاز مقابل الروبل .
- في فلسطين ، استهلك كيان الإحتلال فرص الرهان على المراحل الرمادية في الصراع المتصاعد مع قوى المقاومة ، فلا الضوابط التي وضعها للسيطرة على معادلة التعامل مع القدس حققت المراد منها بتنظيم درجة المكاسب والخسائر لكل من المقدسيين والمستوطنين ، وسقط هامش لعبة فتح باب ميادين الأقصى للمستوطنين ومنعهم من مسيرة الإعلام ، فاشترت الحكومة غضب الطرفين ، وبالتوازي فشلت محاولة احتواء العمليات البطولية الفردية الفدائية التي تحولت خطا متصاعدا ، هشم صورة الأمن الإسرائيلي ، وأظهر ضعف الحكومة وجيش الإحتلال ، وسقوط التنسيق مع السلطة الفلسطينية كضمان للأمن ، والتطبيع مع دول الخليج كضمانة لإحباط الفلسطينيين ، وشيئا فشيئا يجد نفسه أمام خيارات الغضب المتصاعد من طرفي المنازلة ، أمام لحظة صدام تقترب مع غزة ، خصوصا بعد معادلة القدس وجنين خط أحمر التي رسمتها المقاومة ، وبعد إعلان رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار عن قرار فك الحصار وتبييض السجون ، و انتقال المقاومة من الدفاع إلى الهجوم ، وبالتوازي سقط هامش المعركة بين حربين الذي قام على الغارات الإسرائيلية على سورية ، مع إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قرار إيران والمقاومة بالرد الفوري على أي عدوان .
- يدرك الأميركيون والأوروبيون مخاطر التورط في حرب مباشرة مع روسيا ، هدد الرئيس الروسي باعتبارها تهديدا استراتيجيا يصبح معه خطر المواجهة النووية داهما ، سواء حدث هذا بنتيجة تدخل عسكري غربي لاسقاط طائرات او تدمير سفن حربية لروسيا ، او من خلال القيام بإيصال المساعدات العسكرية الى داخل أوكرانيا بماية الجيوش الغربية ، او من خلال ما لوحت به بولندا بدخول جيشها الى اراض أوكرانية تحت شعار وحدة الشعبين ، ففي كل من هذه الحالات سرعان ما سيجد الغرب أنه وجها لوجه في حرب تتدرحج مع روسيا ، ويدرك الإسرائيليون خطورة التورط في حرب مع غزة ، وخطورة التورط في منازلة رد ورد مضاد على عمليات تستهدف إيران والمقاومة في سورية ، واحتمال نشوب حرب شاملة ، سواء من خلال تصاعد حرب مع غزة قابلة للتحول الى حرب مع محور المقاومة ، أو من خلال تصاعد الردود على الغارات التي كانت حتى الأمس هامش مناورة متاح ، لم يعد مؤكدا انه يحظى بصمت روسي هذه المرة ، وفي كل من هذه الحالات ستكون الحرب الشاملة خيار ممكن الحدوث بقوة .
- المواجهة المباشرة مع روسيا ، ليست خيارا يمكن مناقشة احتمالاته بالنسبة للغرب ، فهي الكارثة بعينها ، خصوصا اذا اخذت مخاطر المواجهة النووية بعين الإعتبار مع التسليم بالتفوق الذي تحققه روسيا على هذا الصعيد ، والحرب الشاملة مع محور المقاومة ليست خيارا قابلا للنقاش بالنسبة لإسرائيل ، خصوصا إذا أخذ بالاعتبار حجم التفوق الشامل لمحور المقاومة في مجالي حرب الصواريخ والطائرات المسيرة من جهة والحرب البرية من جهة مقابلة ، لكن الطريق الوحيد لتفادي هاتين المواجهتين هو مبادرات تتميز بالقدرة على التسليم بحجم من التراجع يشكل تعبيرا عن موازين القوى الجديدة التي تحكم هاتين الحربين ، ومن خلالهما ترسم صورة العالم والمنطقة ، ولا يبدو هذا الاحتمال بحجم من الحظوظ التي تتناسب مع العقول التي تدير الحرب على الضفتين الغربية والإسرائيلية ، حيث الإنكار والمكابرة والعنجهية أقوى من الحسابات !
2022-05-09 | عدد القراءات 1273