نقاش داخل عقول محبطة حلمت بالتغيير عشية الإنتخابات نقاط على الحروف ناصر قنديل

نقاش داخل عقول محبطة حلمت بالتغيير عشية الإنتخابات 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- لو تخيلنا مشهدا انتخابيا طبيعيا في لبنان بعد الإنهيار المالي والإقتصادي وثورة 17 تشرين ، لكان المنطقي أن نتوقع أن النقاش الأساسي في البلد يدور حول الخيارات والبرامج الإقتصادية والمالية والإجتماعية ، نحو عقد اجتماعي جديد وسياسة اقتصادية ومالية جديدة ، وأن نتوقع تراجع الجدل حول القضايا التي كانت تطفو على السطح وهي ليست أولويات اللبنانيين ، كنقاش جنس الملائكة ، فلا الغاء الطائفية و اقرار الزواج المدني يتمان بأغلبية نيابية ، ولا تقرير مستقبل سلاح المقاومة تحسمه أغلبية نيابية ، وليس هناك بالأصل أغلبية لبنانية علمانية كاسحة تمنح الأمل لدعاة الدولة المدنية لينقلوا الخلاف حولها إلى مرتبة الأولوية في الإستحقاق الإنتخابي ، ولا لدى مناوئي سلاح المقاومة مثل هذه الأغلبية ليشجعهم الأمل بالفوز الفئوي لمشروعهم على نقل الأمر إلى صدارة الأولويات ، ولا البديل الوطني المتمثل بجيش قوي قادر جاهز لتولي حماية لبنان ، أو يمكن أن يجهز بفترة وجيزة في ظل الفيتو المانع لتسليح الجيش اللبناني بأسلحة نوعية ، بحيث يصير نقل هذه العناوين الى مرتبة الأولويات الإنتخابية مجرد كيد سياسي بلا طائل ، أو تخديم لرغبة خارجية بتسجيل نقاط على المقاومة .

- غاب البرنامج الإقتصادي والمالي عن الأولويات ، وصار سلاح المقاومة عنوان الاصطفاف الذي يقود الإستحقاق الإنتخابي ، والقوى التي خرجت من ساحات 17 تشرين صارت ضمن هذا الإصطفاف على جبهة المناوئين لسلاح المقاومة ، وحشد السفراء أموالهم وتصريحاتهم ووسائل الإعلام التي يمولونها لجعل هذا العنوان جامعا لتشكيلات كان يبدو مستحيلا أن تجتمع ، وأبعد الرئيس سعد الحريري عن المشهد السياسي والانتخابي لمجرد انه اقترح بدلا من المواجهة مع سلاح المقاومة ، ربط النزاع معها حوله ، وهو المنطق الأقرب واقعيا لكل مناوئ للمقاومة يفكر بوضع البلد بعقل سياسي لا مخابراتي ، وصار الإنتخاب مجرد استفتاء يراد منه تشكيل محطة اختبارية لقياس نتائج حملة الضغوط التي تعرضت لها بيئة المقاومة ، وقراءة نتائج الحصار الذي فرض عليها ، لأن الخارج الذي بات هو مدير الحملة الإنتخابية ضد المقاومة بوضوح يعرف ان نيل الأغلبية ضدها لا يفيده في تغيير موازين القوى الفعلية ضدها ، لكنه يفيده في الإجابة عن سؤال ، هل ثمة جدوى من مواصلة الضغوط والحصار ، وهل يفعلان فعلهما في انشاء بيئة لبنانية معادلة لها يمكن البناء عليها ، وهل يمكن الرهان عليهما لتفكيك التأييد الذي تناله في بيئتها ؟

- أما وقد صار الأمر كذلك ، فماذا يفعل من يرغب بالتصويت لصالح التغيير في نظام فاشل سياسيا واقتصاديا وماليا ، حتى الإنهيار ، والمقاومة لم ولن تضع ثقلها وفائض قوتها لتلبية رغبته بإنجاز هذا التغيير بالقوة ، وحجتها في ذلك الحرص على السلم الأهلي وخشيتها من الفتنة ، وهو يدرك أن خياره الأول الذي كان خلال أيام الحماسة بعد 17 تشرين شبه محسوم في وجدانه ، بالتصويت لقوى تغييرية ، قد بدأت تشوبه الشكوك وهو يرى هذه القوى قد اصطفت تحت لواء خطاب العداء للمقاومة ، وهو يعلم أن لا سبب لبنان لذلك ، ولا مبرر وفق أولوية مواجهة قوى النظام أن تكون المقاومة العدو الأول ، والمكونات التاريخية للنظام قد بدلت ثوبها وصارت قوى ثورة وتغيير ، فيسقط هذا الخيار بالضربة القاضية ، وهو يرى من يسمون أنفسهم دعاة ثورة وتغيير قد تحولوا إلى مجرد أبواق تصطف وراء مومياءات النظام القديم ، وتقدم التبريرات لتبييض سياسي يشبه تبييض الأموال ، في نظرية الحلف السيادي ، الذي لا تشغل باله أدوار السفراء في رعاية نشاطاته وحملاته .

- هنا يتقدم الخيار الثاني الذي يتبادر لذهن هذا المؤمن بالتغيير ، والذي لا يرى العداء للمقاومة مبررا ، ولا جعل البحث بسلاحها أولوية ، وأغلب هؤلاء لم يروا من هذا السلاح إلا التحرير والحماية ، وينتمي كثير منهم إلى بيئتها التاريخية ، والخيار الثاني هو عدم المشاركة بالانتخابات ، وهنا تنطرح الإشكالية ، فهو يعلم أن في لبنان معادلة ونظام ، معادلة حررت وحمت وتمنع الحرب الأهلية ، ونظام فاسد فاشل ، والمواجهة الدائرة هي حول تغيير المعادلة لجهة كسرها بحجة تغيير النظام ، وهو كتغييري معني بأن يمنع سرقة هويته وتجييرها لأعداء المعادلة الذين ينتمي أغلبهم للنظام ، أو الحالمين بدخول جنته بإسم التغيير ، وهو معني أكثر إذا لم يكن التغيير الى الأفضل ممكنا أن يمنع التغيير الى الأسوأ ، وهو يعلم أن نيل خصوم المقاومة للأغلبية وتشكيلهم حكومة تمل هذه الأغلبية مشروع حرب أهلية يهدد بتخريب كل الإيجابيات والمكاسب التي تحققت ما بعد الطائف ، لصالح تعزيز السلبيات التي حملتها تلك المرحلة ، من التحرير الى حماية البلد بمعادلة المقاومة بوجه الأطماع الاسرائيلية إلى تحصين السلم الأهلي وفق معادلة أن من يقدر عليها لا يريدها ، فلا خوف إن أرادها من لا يقدر عليها ، لكن نيل الأغلبية وضم مقدرات الدولة لمن يريدها سيجعله يتوهم أنه قادر عليها .

- عند عتبة التفكير الخيار الثالث وهو المشاركة بالانتخابات والتصويت للوائح المقاومة ، تلمع فكرتان ، الأولى تشجع على المشاركة والثانية تدعو للتردد والتبصر ، الأول هو أنه يراقب هذا الحماس الخارجي لتصويت ضد المقاومة ، والإهتمام بقراءة نتائج التصويت لمعرفة ما اذا كانت خيارات  مواصلة الضغوط والحصار ذات جدوى ، وهو كمواطن لبناني أولا صاحب مصلحة بوقف الضغوط والحصار وإيصال أصحابها باليأس ، وهو معني أن يقول بأن المقاومة التي يعتب عليها في عناوين داخلية ، سواء كان مصيبا أم مخطئا ، وسواء كانت حجتها في مخالفته صح أم خطأ ، هي مقاومة تحظى بكل الدعم والتأييد شعبيا في ما تمثله المعادلة ، أما الثانية فهي شعوره بالإحباط تجاه مستقبل البلد ، بلا كهرباء بلا ودائع بلا ليرة ، فما جدوى الدخول بلعبة معلوم سلفا انها مجرد تفليسة ميؤوس منها ؟ 

- هنا يستمع هذا التغييري الى آخر معادلات السيد حسن نصرالله ، التي تضمنت وضع معادلة الردع في كفة ومستقبل ثورات النفط والغاز في كفة ، واعتبار هذه الثروات بوليصة تأمين كافية لإنتشال لبنان من قعر الإنهيار ورد الإعتبار لودائع الناس و للعملة الوطنية ، وإطلاق النهوض وحل مشكلات الكهرباء ، فهل يصدق الوعد ؟

- تجربته تقول ان السيد هو سيد الوعد الصادق ، وهو الذي سبق في حملات انتخابية سابقة أن قال لا تنتخبونا طلبا للخدمات ، وإن كانت همكم فنحن لن نفيدكم ، فيستحيل أن يكون وراء كلامه مجرد حملة انتخابية ، فغدا تنتهي الانتخابات ويبقى وعد السيد ، فيقرر المشاركة والتصويت ، ومن باب التحفظ يقول سأنتخب اللائحة ولكنني سأقرأ الأسماء بتمعن ، وان لم أجد اسما يقنعني لن اضع صوتا تفضيليا .

2022-05-13 | عدد القراءات 1229