من يوقف الكارثة قبل وقوعها ؟
كتب ناصر قنديل
- منذ عشرين سنة كان بمستطاع أي مدقق حسابات أن يتوقع الإنهيار المالي للبنان ، ما لم يتم تغيير السياسة المالية القائمة على المقامرة بانتظار معجزة ، حيث تتم عملية تثبيت سعر الصرف عبر إنفاق مدخرات المودعين بضخ دولاراتهم إلى السوق لتغطية الطلب الذي تفرضه المستوردات المتضخمة ، بعدما حصلت عليها المصارف واودعتها بفوائد مرتفعة مفتعلة ، فليس ممكنا تفادي بلوغ لحظة لا يبقى فيها دولارات لفعل ذلك ، ويبدأ تهاوي سعر الصرف ويتجه الناس لطلب ودائعهم فيجدون أنها تبخرت .
- خلال عشرين عاما أغمض اللبنانيون عيونهم عن معرفة داخلية عميقة لديهم بأن يوم الانهيار الكبير آت ، لكنهم قادة وشعب تغافلوا عمدا ، لأنهم تمتعوا بعائدات الحلم الجميل للإنفاق على سعر صرف منخفض لمداخيل مرتفعة يتقاضونها بالليرات اللبنانية ، فأنفق السياسيون على انتاج زعاماتهم عبر العبث بانفاق موازنات الدولة الفوضوية ، لتعيين عشوائي ومشاريع غير مدروسة ، واستفاد الفاسدون بالعمولات الهائلة ، وأنفق المواطنون سفرا وسياحة وسهر واستجمام وشراء سيارات ، ولم ينتبهونا انهم لا يفعلون ذلك بواسطة دخولهم الشهرية بل بالوادئع التي تشكل ودائعهم بعضا منها .
- بالأمس حدث شيئ مشابه تحت عنوان ، لن يجرؤ على التحدث عنه أحد قبل ان تقع بسببه كارثة كبرى ، فالغوغاء اللبنانية ارهاب فكري دائم بوجه كل حقيقة ، وهي كانت هكذا بوجه كل من كان يقول أن الإنهيار قادم لأن عبقرية رياض سلامة صانع الحلم اللبناني الجميل كانت هي الجواب على سؤال ، كيف يتم تثبيت سعر الصرف والاستدانة بفوائد مرتفعة في بلد يتراجع انتاجه وتزيد مستورداته ، واليوم لن يتقبل أحد القول ان ما يجري في قضية إنتخاب المغتربين يشبه قضية سعر الصرف .
- صنعت مقولة مزيفة تتحدث عن الإغتراب كأغنية تشبه أغنية سعر الصرف ، فالمنتشرون الذين نهبت ودائعهم ، تم تحويلهم الى أيقونة سياسية كتعويض عن سرقة أموالهم ، وخطأ تحويلهم الى ايقونة سياسية ، لا يقل خطورة عن جريمة سرقة أموالهم .
- انتخاب المغتربين مخالف للدستور لأن حرية الترشيح والانتخاب والرقابة عليها ، ليست تحت سيطرة الدولة اللبنانية كي تمنحها وتكفلها ، ودول العالم ليست جمعيات خيرية كي نؤمنها بدلا من الدولة اللبنانية ، والدليل ان حزبا لبنانيا ينال اعلى الأصوات في لبنان مصنف على لوائح الإرهاب في أغلب الدول التي ينتخب فيها المغتربون ، وممنوع على مرشحيه دخولها ، ويخشى المقترعون فيها انتخابهم ، ومثلما أخطأ حزب الله بقبول التهاون مع العقوبات المصرفية التي لحقت به تحت شعار أنه لا يريد تحميل لبنان تبعات سياساته ، أخطأ مجددا عندما قبل بتسهيل انتخابات المغتربين كما جرت ويبدو أنها ستجري ، حيث يمكن رفع عدد حاملي الجنسية من المتحدرين من أصول لبنانية الى عدد يساوي عدد المقيمين بدلا من 850 الف حاليا ، اذا قررت الدول الفاعلة عالميا ان لها مصلحة بذلك ، وسنشهد ارتفاع عدد المسجلين للاقتراع وارتفاعا في نسبة المقترعين دورة بعد دورة ، حتى يصبح مستقبل لبنان يقرره التصويت الذي يتم تحت وصاية حكومات العالم التي لا حول لنا ولا قدرة على ضمان حيادها .
- ما جرى في هذه الإنتخابات عينة صغيرة عن ما سيجري بعد عشرين سنة ، كما كان تذبذب سعر الصرف ببضعة قروش عام 1999 عينة صغيرة عما جرى عام 2019 ، فقد اثبتت لعبة نقل قرار صناعة السياسة ، من منصة البرلمان المنتخب من أيدي اللبنانيين المقيمين الى أيد لا زالت اليوم أيد لبنانية تريد الخير للبنان ، لكنها غدا ستصبح أيد غير لبنانية ، ومن يتوقف أمام تفاصيل التسهيل والتعطيل والتوجيه والتدخل في وجهة التصويت الإغتبرابي ، والتجربة التي تم اجراؤها عليه كبالون اختبار لما هو آت .
- من يجرؤ مثلا على الدعوة لحصر الترشيح والانتخاب بين المقيمين وغير المقيمين بالذين لا يحملون اي جنسية ثانية غير الجنسية اللبنانية ؟
- لا زالت دعوة النائب جبران باسيل بأن يحصر حق المغتربين بالإنتخاب باختيار عدد من النواب يمثلونهم أهون الشرور ، قبل وقوع الكارثة ، وهي قادمة كما كانت كارثة الانهيار المالي قادمة منذ عشرين سنة واردنا ان نستفيق عليها متأخرين ، ثم قلنا إنها وقعت فجأة .
- قيل في الماضي أن الفرق كبير بين من يعدل الحمل المائل وبين من يمنعه أصلا أن يميل !
2022-05-20 | عدد القراءات 1227