انتخابات رئيس المجلس بالأرقام النيابية : لبنان ليس بخير
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يتولى الغبار السياسي والضجيج الإعلامي إنتاج عملية خداع بصري لإخفاء ما تقوله الأرقام ، فالمعركة الدائرة حول انتخاب رئيس المجلس النيابي بالأرقام النيابية ، ليست معركة سيادية ولا اصلاحية ولا تغييرية ، رغم المزاعم العالية الصوت ، فنحن اليوم أمام مشهد شديد الخطورة يوحي بأزمة في الحياة الوطنية ، تهدد بما هو أعظم ، والقضية ليست بفوز الرئيس نبيه بري بالموقع ، ولا برمزية عدد الأصوات ، والرسائل التي يريد أصحابها توجيهها ، أو العناوين التي يتخذونها متاريس لمواقفهم ، ففي الحصيلة التي ستكون أمامنا سيكون 50 نائبا من المسلمين من بينهم كل النواب الشيعة ، أغلبية كاسحة من النواب الدروز ، وأغلبية نسبية من النواب السنة ، قد صوتوا للرئيس بري ، وسيكون 50 نائبا من المسيحيين قد حجبوا أصواتهم عن الرئيس بري ، وسيكون واضحا أن النواب المسلمين الذين حجبوا أصواتهم قد انتخب أكثر من نصفهم في كنف الرعاية الأميركية السعودية ، بينما أكثر من نصف النواب المسيحيين الذين منحوا أصواتهم للرئيس بري قد انتخبوا في بيئات وفي ظل خيارات تاريخية متجذرة في العروبة عبر البوابة السورية وخيار المقاومة ، والأكيد أن هذا الاصطفاف ، الذي تغلفه شعارات عالية السقوف بهدف حجب صورته العارية عن العيون ، يقول أننا في العام 1982 وليس في العام 2022 .
- القضية ليست بالإجابة عن أسئلة من نوع ، أليس هناك لدى الشيعة سوى نبيه بري لرئاسة المجلس ، أو هل انت راض عن أداء المجلس النيابي خلال ثلاثة عقود كان بري خلالها رئيسا يتحكم بكل شاردة وواردة فيه ، القضية هي في من هم الذين يحجبون أصواتهم عن بري، وهل هم أكثر تجذرا والتزاما منه في العناوين التي يرفعونها بوجهه ، وهل هم أقل مسؤولية عن التدهور والانهيار منه ، فلو كنا أمام مشهد انقسام سياسي بسيط حول الخيارات ، بصورة عابرة للطوائف بتوازن معقول ، لاختلف كل النقاش ، ولو كنا أمام انتخاب يحترم معادلة طالما رفعها الذين يحجبون أصواتهم عن بري اليوم ، وهي معادلة احترام نتائج تصويت المكون الطائفي الذي تنتمي إليه الرئاسات ، وخرج عنها نواب تغييريون ، أو معارضة ديمقراطية جديدة أو تجديدية ، لإختلف الأمر أيضا ، وقد ذهب هؤلاء يطلبون قياس قانون الإنتخاب لربط النائب وصحة تمثيله بعدد منتخبيه من أبناء طائفته ، على قاعدة اعتبار هذا المعيار شرطا لانتظام الحياة الوطنية ، وهم يدركون ما يفعلون إذا عندما يقررون ادارة الظهر لإجماع ناخبي طائفة على نوابها وإجماع نوابها على مرشح وحيد للرئاسة .
- نحن أمام رسالة بؤس الحياة الوطنية وفشل تجربة العيش المشترك ، مهما ارتفعت تعويذات الحديث عن الوحدة الوطنية ، الا اذا قبلنا ان السيادة والإصلاح والتمدن عناوين مسيحية ، والتبعية والفساد والتخلف عناوين إسلامية ، بذات نسبة توزع ال50 صوت نائب مسلم لصالح بري ، وال50 صوت مسيحي ضده ، خصوصا أن الذين يرفعون معايير السيادة بوجهه ، كانوا عام 82 عندما أطلق بري نداء الجهاد وحمل بندقيته بوجه الإجتياح الإسرائيلي ، يحتفلون على الدبابات الإسرائيلية ، بوصول مرشحهم لرئاسة الجمهورية بقوة الإجتياح ودباباته ، والذين يرفعون بوجهه دعوة الإصلاح ، يدركون أنهم يستعيرون الدعوة التعجيزية للعلمنة الفورية من الراحلين بيار الجميل وكميل شمعون ، وهم يعلمون ان المرجعيات الدينية المسيحية والمسلمة تتكفل بتعطيلها ، فتكون المعادلة العلمنة الكاملة او الطائفية الكاملة لتفوز الطائفية الكاملة ، وقد خاض بري خلال الثمانينيات في مواجهة شمعون والجميل معركة إلغاء الطائفية ، حتى لو اصبح من رعاتها وفقا لنظرية عالسكين يا بطيخ ، وبعلم الجميع ان الإمتحان الحقيقي للإصلاح ومكافحة الفساد كان ولا يزال وسيبقى في مدى الجرأة على تحرير الشأن العام والوظيفة العامة من القيد الطائفي ، الذي يعطل المحاسبة ، كما يحدث مع الحماية التي توفرها مراجع روحية عليا اليوم لحاكم مصرف لبنان وترسم حوله خطأ أحمر .
- أما نواب التغيير الذين يبحث بعضهم عن إخراج مناسب لحجب تصويتهم عن بري ، فهم يبتكرون نظرية ترشيح غير شيعي لرئاسة المجلس ، وتلك لا طائفية عندما يقوم بها شيعي وهي قمة الطائفية عندما يقوم بها نائب غير شيعي ، لم يجرؤ أن يترشح عن غير مقعد طائفته في دائرته ليضمن وصوله وفق ما يسمح القانون ، وبعدما وصل جاء يمارس الفانتازيا والعبث ، وهم يعلمون أن من يريد الخروج من الطائفية فليبدأ بقانون انتخاب خارج القيد الطائفي سنكتشف مدى صدق نواب التغيير معه عندما نصل اليه !
- ليس صعبا ان نكتشف أننا أمام انتخابات 1982 ، وأن التصويت يجري على العيش المشترك وليس على رئاسة المجلس النيابي ، ويكفي للتحقق أن نتذكر كيف جمعت حملة لا يشبهوننا متناقضات السياسة في المكون الطائفي الواحد ، ولولا أن الحرب الأهلية مستحيلة لكان لبنان على أبوابها ، لكن من حظنا أن من يريدها لا يقدر عليها ومن يقدر عليها لا يريدها .
2022-05-30 | عدد القراءات 1242