الرهان الإسرائيلي على الإرتباك اللبناني والإسناد الأميركي
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يعتقد الإسرائيليون أن سقف ما يمكن أن يفعله لبنان هو توقيع مرسوم يعدل الخط المعتمد للحدود البحرية اللبنانية ، فيعتمد الخط 29 بدلا من الخط 23 ، وأن هذا التدبير وما قد يرافقه من نشاط نحو الأمم المتحدة والشركات المعنية يمكن احتواؤه من خلال الدور الأميركي الحاضر لإسناد الموقف الإسرائيلي ، فواشنطن التي كانت تفرمل الإندفاعة الإسرائيلية وتدفع بتل أبيب نحو تأخير أي إجراء أحادي للإستثمار في حقل كاريش ، وتسهيل المسار التفاوضي عبر البحث عن حل يمتص الإحتقان الذي قد يمنح المقاومة فرصة الدخول على الخط ، وما قد ينتج عن ذلك من مخاطر انفجار يخرج عن السيطرة ، صارت اليوم أشد حماسة من "إسرائيل" لتسريع استخراج الغاز من حقل كاريش الاستراتيجي في ظل أزمة الطاقة الناشئة بعد حرب أوكرانيا ، وحاجات أوروبا التي يفضل تأمينها من مصدر متوسطي يخفف أعباء وأكلاف النقل ، في ظل وجود رهان أميركي إسرائيلي مشترك على تباين الأولويات اللبنانية ، وميوعة الموقف الحكومي ، بحيث يكون السقف اللبناني المرتقب ، هو توقيع مرسوم التعديل فيمتص الضغط الداخلي ويحوله الى الحركة الدبلوماسية ، حيث يستعد الوسيط الأميركي لجولة مكوكية جديدة ، فيما يكون الاستثمار في حقل كاريش على قدم وساق ، ويكون الداخل اللبناني ، في الحكم والمعارضة حائلا دون منح المقاومة ما يكفي من غطاء لتلعب دورها في فرض معادلة الردع ووقف عملية كاريش ، تحت شعار اعتماد المراجعات القانونية والدبلوماسية .
- المرحلة الأولى التي سيتولاها الأميركيون بينما تسارع "إسرائيل" مهام الاستثمار ، هو القيام ببهلوانيات تفاوضية تشتري الوقت ، مرة تحت شعار تقديم بدائل تفاوضية للدرس ، ومرة بالنصح بعدم "التورط" بتعديل المرسوم الخاص باعتماد الخط البحري 29 ، فيما يكون الموقف الرسمي مربكا بين حد أدنى بالحديث عن الخط 23 كأساس لترسيم الحقوق اللبنانية ، وسقف أعلى هو طلب لا ينسجم مع هذا الإطار بوضع حقل قانا مقابل حقل كاريش ، فجزء رئيسي من حقل قانا يقع بين الخطين 23 و29 ومثله حقل كاريش ، والحد الأدنى الذي يمثل موقفا تفاوضيا مقبولا ومنسجما ، هو اعتبار المنطقة الفاصلة بين الخطين 23 و29 منطقة حرام لا يحق لأي طرف الإستثمار فيها دون موافقة الطرف الآخر ، وفقا لمعادلة قانا مقابل كاريش ، واعتماد شمال الخط 23 لحقوق لبنان الخالصة وجنوب الخط 29 لحقوق فلسطين المحتلة الخالصة ، وبغياب هذا الموقف سيستفيد الأميركي من غياب هذا الموقف اللبناني لتظهير التناقض بين المطالبة بالخط 23 من جهة ، ووضع حقل قانا مقابل حقل كاريش من جهة مقابلة ، وهدر الوقت على النقاشات القانونية التفاوضية .
- المرحلة الثانية عندما يمضي ما يكفي من الوقت ، لتبريد التوتر، وتثبيت الأمر الواقع بالاستثمار في كاريش ، لا يهم الأميركي والإسرائيلي أن يذهب لبنان الى تعديل خط الحدود البحرية إلى الخط 29 ، بقدر ما يهمه ألا تكون المقاومة قادرة على توظيف هذا الموقف للتحرك بوجه الإستثمار الإسرائيلي ، ولذلك سيشجع وربما يسهل الدعوة لإعتماد التحكيم ، او تقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية بوجه "إسرائيل" ، وسيدفع بتصدر جماعات المجتمع المدني للضغط بهذا الاتجاه في حفلة مزايدة على الدولة ، تشبه ما يجري في الدعوة لتوقيع المرسوم ، طالما ان كل ذلك يعني السعي لقطع الطريق على ما يزعج الأميركي والإسرائيلي ، وهو دخول المقاومة على الخط ، حيث يلتقي مؤيدو الخط 23 والخط 29 نظريا ، على موقف عملي واحد هو اعطاء مزيد من الوقت للمساعي الدبلوماسية ، والسعي عمليا لإستئخار أو تعطيل إمكانية قيام المقاومة بتسييل معادلة الردع لوقف الإستثمار الإسرائيلي .
- المطلوب اليوم مهما كان الموقف من الخط النهائي المقبول للحدود البحرية ، 23 او 29 ، الإجابة عن سؤالين ، الأول هو هل ان ما يجري دليل على أن التفاوض بات عبئا على لبنان ومنصة لتضييع حقوقه ، لأن الأميركي ليس غائبا عما يفعله الإسرائيلي ، والثاني هل يمكن تعديل التوازن مع الأميركي والإسرائيلي ، من دون تظهير قدرة لبنان على قلب الطاولة ، وهذا يعني تمكين المقاومة من تسييل معادلة الردع أو تظهير القدرة على تسييلها كحد أدنى ، والمدخل لذلك يتوقف على السرعة مع سخونة القضية ، ولا يهم ان يكون العنوان اعتماد الخط 29 للقول إن "إسرائيل" تستخرج الغاز من حقل لبناني ، أو اعتبار أن الاستخراج يجري من منطقة متنازع عليها ما يعتبر اعتداء على السيادة يستوجب الرد .
- التحدي هنا ، والمواقف لا تزال دون المستوى ، والانقسام بين الخطين 23 و29 مضيعة للوقت يصفق لها الأميركي والإسرائيلي !
- طبعا الأفضل أن يقول لبنان ان الخط 29 هو خط الحدود البحرية ، وأن الاستثمار الاسرائيلي يتم في حقل لبناني ، وان للبنان الحق بمنع التعدي على حقوقه بكل الوسائل المتاحة ، مفسحا المجال للمقاومة لتقول كلمتها .
2022-06-07 | عدد القراءات 1211