ليست أسبابا للتذمر …بل أسباب الاستبشار نقاط على الحروف ناصر قنديل

ليست أسبابا للتذمر …بل أسباب الاستبشار 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- يمتلئ النقاش اللبناني الدائر حول ملف الثروات البحرية وترسيم الحدود بخطاب التذمر ، فجمع من السياسيين والإعلاميين يتذمرون مما يصفونه بالتلكؤ الرسمي في متابعة ملف الحقوق اللبنانية من الثروات البحرية ، ويتخذ هذا التذمر مؤخرا عنوان الدعوة لتوقيع مرسوم تعديل خط هذه الحدود ، ويوجهون سهام نقدهم إلى رئيس الجمهورية بهذا الخصوص ، وبالتوازي يتذمر التيار الوطني الحر و مؤيدو رئيس الجمهورية مما يسمونه المزايدة بادعاء الحرص على حقوق لبنان من منتقديهم ، مذكرين بأن الجميع لم يكن يعرف بشيء اسمه الخط 29 لولا رئيس الجمهورية وفريقه ، ويتذمر المناصرون للمقاومة من الحملات التي خرجت على ألسنة خصوم المقاومة ودعاة نزع سلاحها ، لتطالب المقاومة بالرد على الحراك الإسرائيلي في البحر باتجاه المياه الإقليمية اللبنانية .

- هذا التذمر هو بحد ذاته علامة الاستبشار خيرا ، فما لا ننتبه له هو أنها المرة الأولى التي يكون الإتجاه السائد في الرأي العام اللبناني بكل تلاوينه ، نحو قضية تتصل بالصراع مع كيان الاحتلال ومواجهة أطماعه ، بثروات لبنان وميزاته الإستراتيجية ، هو التسابق على السقف الأعلى ، بينما عندما طرح موضوع مزارع شبعا المحتلة ، وكان انجاز التحرير لا يزال ساخنا طازجا ، وكان السياق اللبناني تنازليا لا تصاعديا كما هو اليوم ، واثباتات لبنانية مزارع شبعا غير قابلة للنقاش حتى بالنسبة لكيان الإحتلال ، بخلاف حجم الغموض الذي يتصل بكل مرجعيات البت بالحدود البحرية مقارنة بالحدود البرية ومرجعياتها ، ورغم ذلك يبدو اللبنانيين واثقين من صحة الخط 29 بعكس ما كان عليه حال من قبلهم تجاه مزارع شبعا ، التي لم يستطع كيان الإحتلال نفسه رفض الاعتراف بلبنانيتها ، ومثله الأمم المتحدة التي اعترفت بتلقي رسالة سورية رسمية بلبنانية المزارع ، فاختبأ كل منهما  وراء مرجعيتها في القرار 242 الخاص بالانسحاب من الجولان السوري المحتل عام 67 ، باعتبارها قد احتلت قبل صدور القرار 425 وشمل الأراضي التي احتلت عام 1978 وفق منطقها ، بينما يمكن للكيان وسواه إخضاع المطالبة بالخط 29 للكثير من النقاش والتشكيك والتمحيص ، واعتباره بأحسن الأحوال احد الاجتهادات المتداولة لترسيم الحدود ، وأن يكون هذا هو اتجاه الرأي العام اللبناني تجاه كيفية التعامل مع حقوق لبنانية موضوع نزاع مع كيان الإحتلال ، فتلك علامة ربما لايدرك الكثير من أصحابها ، انها تتأسس على حضور لموازين القوى التي فرضها حضور المقاومة في الوجدان الجمعي للبنانيين ، وأشعرهم بأنهم أقوياء ، فارتفعت سقوف تعاملهم مع ملفات الصراع ، وخرج بعضهم من أصدقاء واشنطن العلنيين لا يقيم حسابا للإختلاف معها في هذا الملف بتبني موقف مغاير ، ويعذره الأميركي لأنه يدرك ان هذا الموقف جواز مرور الزامي للعبور الى الوجدان الشعبي .  

- للتذمر وجه يتصل بعدم الرد اللبناني على العرض الأميركي التفاوضي ، الذي تبلغه لبنان مطلع العام ، وهنا يجب التوقف أمام كون عدم الرد جاء تعبيرا عن اعتماد الصمت ردا سلبيا على العرض الأميركي تفاديا لتفجير المسعى التفاوضي ، وكما يبدو من مسار سفينة الاستخراج التي جلبت الى حقل كاريش برعاية ومباركة أميركيتين ، فإن مجيء السفينة هو الرد الأميركي على عدم الرد اللبناني ، لإعادة الحياة إلى المفاوضات ، الأميركي يبدو حريصا على عدم فتح الباب أمام تدحرج الأوضاع نحو المواجهة ، وهو يعلم جهوزية المقاومة ونسبة القوى الراجحة لصالحها ، وما صدر عن معلومات عن موقع السفينة خارج الخط 29 ، وعدم وجود نية لربطها بالآبار قبل التوصل لحل تفاوضي مع  لبنان ، والإعلان الإسرائيلي عن أولوية الحل التفاوضي ، والأميركي يعلم أنه عرض حلا لا يستطيع لبنان قبوله ، فهو قدم نصف الخط 23 خطا متعرجا نحو الشمال في نصفه الثاني ، بينما الحد الأدنى لما يمكن قبوله لبنانيا هو الخط 23 مضافا اليه كامل حقوق حقل قانا ، وهذه مناسبة للقول إن الطريق القانوني لصون حقوق لبنان هنا وفق معادلة قانا مقابل كاريش ، يقوم على اعتبار شمال الخط 23 حقوقا لبنانية خالصة ، وجنوب الخط 29 حقوقا خالصة لفلسطين المحتلة ، وإعتبارالمنطقة بين الخطين 23 و29 ، منطقة حرام لا يسمح بالإستثمار فيها الا بالقبول المتبادل برعاية الأمم المتحدة انطلاقا من معادلة قانا مقابل كاريش ، وهنا من عناصر الإستبشار العجلة الأميركية الإسرائيلية في ظل ازمة الطاقة عالميا ، وضغطها الخاص على أوروبا لتأمين بدائل للغاز الروسي ، وأهمية حقول البحر المتوسط ومنها الحقول اللبنانية في هذا الإطار .

- من عناصر التذمر ما تبدو عليه الجهوزية الإسرائيلية في قطاع النفط والغاز ، مقابل لبنان ، وهذا قائم على الجهل أو التجاهل لحقيقتين ، الأولى أن كيان الاحتلال المدعوم من الغرب كله ، بدأ بدعم غربي حكومي وخاص للتنقيب والاستثمار في قطاع النفط والغاز مبكرا ، وان استخراج الغاز بدأ بكميات غير تجارية ، بقرابة مائة مليون متر مكعب سنويا ، منذ العام 1990 ، وبلغ عام 2012 مليار ونصف مليار متر مكعب ، وهو يقترب اليوم قبل حقل كاريش من رقم الثلاثة مليارات متر مكعب سنويا ، بينما  كان لبنان حتى الأمس لا يزال يناقش وجود ثروة نفط وغاز في مياهه ، ويمارس عليه الغرب الذي يملك ادوات المعرفة سياسة التعتيم والتجهيل ، حتى الإعلان عام 2020 عن اتفاق الإطار ، بعدما وجد الغرب ووجد كيان الاحتلال أن لدى لبنان بفضل مقاومته القدرة على إلحاق الأذى بمنصات الغاز القريبة من حدود لبنان ، وهي حقول واعدة ، ويقتضي استثمارها الآمن الإعتراف بحقوق لبنانية موازية فيها ، والحقيقة الثانية انه بسبب هذه الحظوة لكيان الإحتلال لدى الغرب يسهل عليه الحصول على تعاون كبريات الشركات العالمية حتى لو لم يكن لديه ما يغري بلغة المصالح ، بينما يتم التعامل مع لبنان بصورة معكوسة حتى لو كانت لديه ثروات واعدة ، فتردم آباره وتطمر ثرواته ، وينكر وجودها ، ويجري التهرب من الإلتزامات التي تفرضها العقود الموقعة  معه ، ولذلك ثمة ما يجب ان يعذر لبنان عليه ويفهم سبب تفوق الكيان بسببه  ، لكن هذا انتقل من سبب للتذمر الى سبب استبشار ، بعدما صارت ثرواتنا ضرورة وجودية لاستثمار الكيان لثروات فلسطين المحتلة ، فمن علامات الاستبشار انه اضافة لما فرضته كميات الغاز المتوافرة من اعتراف بالحاجة للتفاهم مع لبنان ، تفرض الأزمة العالمية والأوروبية بصورة خاصة اهتماما استثنائيا بالتسريع ، وتثبيت حقوق لبنان بات ممرا الزاميا لهذا التسريع ، وهذا بفضل قوة يصعب تذليل حضورها تمثلها المقاومة ، طالما ان القوة  وليس القانون ، معيار الحسابات الغرب و"اسرائيل" ، ولسان حال الغرب مع القانون الدولي هو كحال قريش مع آلهة التمر ، "يعبدونها حتى اذا جاعوا يأكلونها" ، وحال "إسرائيل" معها ، هو "بلوها واشربوا زومها" .

- خلف هذا الليل الكالح السواد فجر قريب آت ، فاستبشروا !

2022-06-08 | عدد القراءات 1455