هوكشتاين بين أوراق قوة لبنان و"إسرائيل"
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- بين وصفين لبنانيين متقابلين للمناطق المتنازع عليها في حقول النفط والغاز في البحرين اللبناني والفلسطيني ، بحر صور وبحر عكا ، وصل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت ، الوصف اللبناني الأول قدمه النائب السابق وليد جنبلاط ويقول ان المناطق المتنازع عليها هي مزارع شبعا بحرية ، عطفا على توصيفة لمزارع شبعا البرية ، التي يعتبرها مجرد ذريعة لإبقاء النزاع مفتوحا بين لبنان وكيان الإحتلال ، من جانب المقاومة ، لتبرير دور سلاحها ، والوصف الثاني قدمه الأمين العام لحزب الله ويقول إن أهمية خطوط الترسيم التي يبني عليها جنبلاط ومناصري منطق التوصل إلى الحل الممكن في قضية ترسيم الحدود خطابهم ، قد فقدت أهميتها مع وصول سفينة الإستخراج اينرجين باور الى حقل كاريش ، وفق معادلة بدء كيان الإحتلال للإستخراج من الحقول المتنازع عليها المتصلة تحت الماء ببعضها البعض ، مقابل حظر معلن وواضح على حق لبنان باستخراج النفط والغاز حتى من الحقول غير المتنازع عليها ، وصارت المنطقة المتنازع عليها تشبه الشريط الحدودي المحتل قبل تحريره عام 2000 ، حيث القضية لها عنوان واحد هو وقف الإعتداء على السيادة لإستعادة التوازن الذي يسمح بالترسيم .
- ليس موضع نقاش حجم التكامل والتنسيق بين أداء الجانبين الأميركي والإسرائيلي ، منذ ثلاثة عشر عاما واكب فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري ، الذي يقول أن استهلاك هذا الوقت الطويل الذي تم استهلاكه بين الموفدين الأميركيين ومنهم كان آموس هوكشتاين و فريدريك هوف وديفيد ساترفيلد و ديفيد هيل و ديفيد شينكر ، كان هو الوقت الذي احتاجته "إسرائيل" الإستعداد لبدء استخراج النفط والغاز من الحقول المتنازع عليها ، بعدما أنهت الحفر الاستكشافي وأعمال التنقيب وتجهيز الحقول ، وان المبعوثين الأميركيين كانوا يأتون ويرحلون ، ولا تعود بهم إلا أزمة كبرى ، ومنهم هوكشتاين الذي تكاد زياراته تكون للبنان سنوية ، رغم بقاء المواضيع التي يثيرها معلقة بانتظار عودته مرة ثانية دون أن يعود ، وكما يقول الذين يتابعون مكانة هوكشتاين داخل إدارة الرئيس جو بايدن وإشرافه على قطاع الطاقة من جهة ، وعلاقاته المميزة بكيان الاحتلال والتزامه الكامل لمصالحه من جهة موازية ، فإن ورقة القوة الأهم لكيان الإحتلال ، هي هذا الإلتزام الأميركي الكامل إلى جانب الكيان .
- كانت معادلة النفط والغاز بين لبنان والكيان تستند إلى خمسة عناصر رئيسية ، هي موقع الوسيط الأميركي وهو محسوم كورقة قوة إسرائيلية ، والمعلومات عن الحقول والخرائط وهي ملك شركات عالمية كبرى أبرزها وأهمها بالنسبة لحقول المنطقة شركات غربية ، في مقدمتها شركة انيرجي البريطانية التي نظمت أول مؤتمر حول النفط والغاز شرق المتوسط في البحرين عام 2009 ، الذي كان نقطة التماس الأول بين الرئيس بري وملف النفط والغاز عندما تلقى دعوة مفاجئة لحضور هذا المؤتمر ، وهذا يجعل من عنصر المعلومات ورقة قوة إسرائيلية ، فلبنان لا يعلم ما لديه ولا مدى صحة ما يقال له عن ثرواته ، لأن مصدره الوحيد للمعرفة محكوم بالسياسة التي تعمل هنا الى جانب كيان الإحتلال ، العنصر الثالث هو شركات التنقيب ، والواضح و المحسوم أن كيان الإحتلال متفوق على لبنان في هذا المجال ، حيث تتلقى الشركات العالمية تشجيع ودعم حكوماتها للعمل لصالح الكيان ، بينما تتلقى التحذيرات والمساءلة عندما يتصل الأمر بلبنان ، أما العنصر الرابع فهو الوقت ، حيث بفعل كل ما سبق تستطيع "إسرائيل" البدء بالاستخراج لأن لديها التغطية السياسية الدولية ولديها المعلومات وتعاون الشركات ، بينما لبنان مكشوف بلا غطاء في هذه العناصر الثلاثة ، وهنا يدخل العنصر الخامس وهو الأمن ، حيث يستطيع الكيان تحييد المخاطر الأمنية التي يمكن أن تهدد عملية الإستخراج ، من خلال تقييد مصدر القوة الوحيد لدى لبنان الذي تمثله المقاومة وسلاحها ، بعاملين رئيسيين ، الأول هو ارتباط دخول المقاومة على خط أمن الطاقة بالوقوف وراء قيام الدولة برسم حدودها ، وهنا يصبح الأمر مشروطا بموقع الوسيط ودقة وتدفق المعلومات ، والثاني هو الواقع السياسي اللبناني الداخلي المتحرك تحت عنوان علني هو تقييد المقاومة وإعتبار سلاحها مصدر تشويش على علاقات لبنان الخارجية وفي طليعتها علاقته بواشنطن ، الوسيط المعتمد في ملف النفط والغاز .
- المستجد الذي خلط الأوراق هو التغيير الذي لحق بعاملي الوقت والأمن ، وتبدو المقاومة قد وضعت يدها عليهما وضغطت على الجرح بقوة ، فحضر هوكشتاين ، وعلى طاولته كمستشار أول في ملف الطاقة لدى إدارة بايدن ، ملف تأمين بدائل عاجلة وسريعة للغاز الروسي لأوروبا ، يبدو غاز شرق المتوسط أهمها وأسرعها توافرا ، وأوفرها كلفة ، وبالتوازي تبدو المقاومة قد نجحت بتحويل قدوم سفينة الاستخراج الى حقل "بحر عكا" المسمى بـ كاريش ، الى مصدر لتبديل للأولويات اللبنانية من الترسيم إلى الاستخراج ، حيث الترسيم شأن الدولة قبل أن تتبلور الحدود السيادية التي تلتزم المقاومة بحمايتها ، بينما وقف الاستخراج الإسرائيلي مسؤولية المقاومة ليتسنى البحث بجدية وجدوى لعملية الترسيم .
- القضية اليوم على الطاولة ، يتقرر مصيرها بناء على عاملين ، الأول حسن تظهير لبنان لتغير عناصر القوة ، وحسن تقدير هوكشتاين لتوازن الحوافز والمخاطر ، حوافز تسريع انجاز ملف غاز شرق المتوسط الى اوروبا ، ومخاطر انفجار الملف الأمني في المنطقة من اشعال حقول الغاز بقشة كبريت اسمها سفينة الاستخراج ، ومعادلة الحوافز والمخاطرتعمل اليوم لصالح معادلة أخرى هي "غازبحر صور ممرا إلزاميا لغاز بحر عكا" .
2022-06-14 | عدد القراءات 1254