عودة إلى أصل النقاش حول كيان الإحتلال والنفط والغاز
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- قد لا يكون نقاشا جاذبا لصالونات القيل والقال ، ما تلفتنا إليه التطورات الأخيرة في أسواق النفط والغاز ودور كيان الإحتلال فيها ، وتعيدنا إلى النقاش الأصلي حول طبيعة الكيان وجوهر علاقته بالغرب ، لكنه نقاش جدي وضروري للمهتمين بصدق بموقعهم من الصراع ، والذين لا ينخرطون في السياسة من موقع انتهازي سلطوي ، أو زبائني نفعي ، سواء على هوامش وفتات موائد مرجعيات الطوائف ، أو جماعات المجتمع المدني ، وهو نقاش يستمد قيمة خاصة من علاقته برسم صيغة علاقة الغرب بالكيان من جهة ، ونظرة الغرب لمنطقتنا و شعوبنا ودولنا من جهة مقابلة ، خصوصا بوجود من يظنون أن الغرب يتعامل مع دول المنطقة من جهة والكيان من جهة أخرى ، بعيون المصلحة ، ويميز الكيان بدرجة عن سائر الدول لأسباب داخلية إنتخابية .
- في مطلع القرن الماضي مع اكتشاف النفط ، حتى منتصفه مع ازدهار سوقه ، حفلت الكتابات المرجعية لقادة حركة التحرر العربية بأجنحتها المختلفة القومية واليسارية والإسلامية بتوصيف ينظر للكيان بصفته ثكنة عسكرية غربية متقدمة ، أو شرطي يضمن المصالح ، ويؤدب المتمردين ، ورجحت كفة هذا التوصيف اختيار فلسطين دون سواها لقيام الكيان بالتزامن مع ظهور النفط في الخليج ، وخلال سنوات تشكل الكيان الإقتصادي وظهور شركات متعددة الجنسيات فيه ، في مجال تكنولوجيا الإتصالات خصوصا ، خرج من يسخر من توصيف الثكنة والشرطي ، بالرغم من أن مرحلة القائد العربي الراحل جمال عبد الناصر قالت بوضوح ، أن الحروب التي شنت عليه ، سواء العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي ، أو حرب العام 1967 ، كانت تنفيذا لقرار غربي لإزاحة نظام جمال عبد الناصر ، لأنه حمل مشاريع التأميم للمرافق الإستراتيجية والنهوض بالدولة المنتجة والمستقلة اقتصاديا ، وأن موقفه من فلسطين رغم محورية موقعه في مشروع عبد الناصر ، وعلاقاته بالاتحاد السوفيتي رغم طابعها الاستراتيجي عنده ، كانت تتمة الصورة التي صنعها مشروعه الاقتصادي التحرري من أخطبوط الهيمنة والاستتباع ، الذي يمثله المشروع الغربي بنسختيه الأوروبية والأميركية ، ولذلك لم يتعامل المشروع الغربي مع دول عربية تشابهت مع نظرة عبد الناصر نحو فلسطين والإتحاد السوفيتي ، بذات الشراسة والقسوة والوحشية والحزم والحسم ، لأنها لم تكن بذات جذرية مشروعه الاقتصادي عندما يتخذ من مصر مركز انطلاق لاقامة دولة الوحدة .
- في لبنان جاء انتصار المقاومة عام 2000 إيذانا بمولود جديد ، متمرد وشاب ويملك حيوية استثنائية ، يمكن قراءة درجة جذرية مواقفه الإستقلالية والتحررية في خطاب الإمام الخميني ، وما لا يتوقف أمامه الكثيرون في أسباب حرب تموز 2006 ، هو ما سبقها من قرار أوروبي أميركي بمد أنبوب نفط من مرفأ جيهان التركي الى مرفأ عسقلان ، تحت اسم "سيبان - أشكلون " ، تم وضع حجر الأساس له في نيسان 2006 بحضور وزير البنى التحتية الإسرائيلية ووزير الطاقة التركي ، وأنشأت لإنجازه شركة ألمانية فرنسية ايطاليه تركية ، وكان أحد أهداف الحرب شطب وجود المقاومة في جنوب لبنان كشرط لتوفير أمن الخط النفطي الجديد ، وفي الحرب على سورية ، ومن ضمن الأسباب ، سبب جوهري ، عنوانه خط الغاز العابر للسعودية لنقل الغاز من قطر إلى أوروبا عبر سورية وتركيا ، وبدور تركي محوري يفسر دورها في الحرب ، ومهمة الخط تحرير أوروبا والغرب عموما من الارتهان لمضيق هرمز في حال نشوب حرب مع إيران ، وتحرير أوروبا من الارتهان للغاز الروسي ، الذي ظهرت أهميته اليوم في حرب أوكرانيا ، وهذا يجب أن يفسر أمرين ، الأول حجم الإصرار الغربي على إلحاق الهزيمة بسورية وصولا لحد الإنتقام التدميري ، وحجم التمسك الروسي والإيراني بمنع هزيمة سورية ، رغم وجود أسباب اضافية في السياسة والاستراتيجية لهذا التمسك .
- اليوم علينا أن ننظر إلى المشهد بالطريقة التالية ، أنه بعد قرابة ثمانين عاما من زرع هذا الكيان في منطقتنا وحمايته وتمويله ، تأتي أوروبا الى فلسطين لتضع يدها على غاز بحر عكا ، الذي تحمي السيطرة عليه الثكنة المتقدمة للغرب ، وبذات الجدية تعطل شركة توتال الأوروبية استخراج غاز بحر صور ، ويقود الأميركي المفاوضات لتعطيل فرص لبنان وترجيح كفة السيطرة الغربية من وراء ستار اسمه " دولة قناع " هي كيان الإحتلال ، تشبه الشركات الوهمية التي يتم إنشاؤها في جزر الكاريبي لتبييض الأموال ، وبينما يستعد الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة السعودية ، يشترط أن تكون الزيارة برمزيتها ومسارها ومواضيعها ، امتدادا لزيارته للكيان ، والموضوع واضح ، قوموا بزيادة ضخ النفط لأنكم مجرد محاسب يحمل الدفتر ، ويضع حاصل البيع في المصارف الأميركية لتكون قابلة للحجز في أي توقيت استقلالي مفترض ، أسوة بما لحق أموال الدولة الروسية ، والضامن الإلتزام والإنضباط هو الشرطي والثكنة ، وهذه هي وظيفة التطبيع المطلوب والمفروض ، والمطروح اليوم كشرط للاعتراف بشرعية العرش الجديد في الرياض .
- ساذج من يعتقد أن الأمر تغير منذ ولادة الكيان ، فهو ثكنة تحمي نهب الثروات ، وشرطي يؤدب من يتمرد على الهيمنة ، وحروبه ليست له وقرارها ليس بيده ، ورغم كل ضعفه لا يزال ضرورة وحاجة ، لأن الغرب كله ضعيف وتكافل الضعفاء يؤنسهم في ضعفهم ويخلق الوهم بأنه يصنع القوة ، وبالتوازي المشهد الجديد هو أن هذا الغرب المتعطش للنفط والغاز ، النازف من حرب أوكرانيا ، يأتي إلى هنا ليمرر أنابيب النفط والغاز من تحت أنوفنا ، وهو يسرق ثرواتنا ، ويضع الحظر ويفرض الحجر على ما يفيدنا من هذه الثروات ، ورغم أنفه لدينا مقاومة تمثل ثقلا استراتيجيا نوعيا في موازين القوى الإقليمية ، واللحظة مؤاتية لنفرض عليه تحرير بعض حقوقنا ، وهي ليست أتاوة العبور ، لأن ما ينهبه هو الأتاوة المفروضة علينا نتيجة وجود حكومات ضعيفة وتابعة تدير ثرواتنا ومقدرات شعوبنا ، وهذه الفرصة التاريخية ليست الا محطة مفصلية في السياق التحرري الشامل للمنطقة ، الذي تظهر بشائر كثيرة على أنه ينمو بقوة ، حيث هزيمة الكيان ليست إلا هزيمة طليعة نخبة النخبة في جيوش الغرب .
2022-06-17 | عدد القراءات 1656