بوتين : رؤية استراتيجية كتب ناصر قنديل

بوتين : رؤية استراتيجية 

كتب ناصر قنديل

- عندما ننظر في كل الأدبيات الغربية التي سبقت ورافقت الحرب الأوكرانية وقد مضى عليها أربعة شهور ، نكاد لا نقع إلا على الردح الإعلامي بحق روسيا والرئيس بوتين ، بصورة تخلو من أي قراءة يمكن وصفها بـ التحليلية لفهم الغرب سياق الحرب وموقعها في الجغرافيا السياسية لأوروبا والعالم ، أو لموازين القوى التي نشأت عنها الحرب وتلك التي تنشئها .

- خلال عشرات الإطلالات ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإستراتيجي الوحيد في هذه الحرب المتعددة الأطراف ، والتي صارت أوروبا وأميركا أطرافا مباشرة فيها بصورة مكشوفة ، فقد تحدث مرارا عن العالم المتعدد الأقطاب ، وهي معادلة خلت خطابات قادة الغرب ومفكريه من أي محاولة جدية في مناقشتها ومحاولة تفكيكها ، وتحدث عن إعادة صياغة مفهوم الأمن والسلم الدوليين ، والتوازن الاستراتيجي بين الشرق والغرب ، ونظام العقوبات كأداة فاشلة لتحقيق النصر حيث تفشل الجيوش ، وحاجة أوروبا لإعادة تعريف مفهوم الأمن بدمج الأمن العسكري والسياسي بأمن الطاقة والغذاء ، ومكانة الجغرافيا والجوار في رسم الشراكات والعداوات ، وفي كل هذه المقولات الجديدة والإستراتيجية بقي الغرب ، الذي ولدت منه المفاهيم الحديثة في ميادين الحرب والسياسة والإقتصاد صامتا عاجزا حتى عن مجرد إدارة النقاش .

- في إطلالته في منتدى بطرسبورج أضاف الرئيس بوتين مقولات جديدة يرجح أن تبقى كسابقاتها دون نقاش ، فقد قال بوتين إن واشنطن تسرعت بإعلان إنتصارها في الحرب البادرة ، وتصرفت بعيدا عن السياسة بلغة خرافية كأنها رسول الرب ، ثم قال إن نخب الغرب تتمسك بأشباح الماضي وتعيش على أنقاض أمجاد زالت أسبابها ، وتعيش وهما ايديولوجيا عنوانها ان هيمنة الغرب مصدر استقرار العالم ، وقال بوتين ، أن مشكلة الغرب هي النفاق في صياغة الخطاب السياسي بازدواجية المعايير التي تعبر عن عمق عنصري في التفكير ، فالحرب على سورية والعراق وليبيا مشروعة للغرب ، لكن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الأشد شرعية من حروب الغرب يعتبرونها غير شرعية ، ويضيف الرئيس بوتين ، وهم قدرة العقوبات على حل ما تحله السياسة والحرب ، نابع من ذات النظرة العنصرية القائمة على العزل ، بينما العقوبات ظهرت بوضوح سلاحا فاشلا أصاب أصحابه بالأذى قبل من يستهدفهم ، فها هي روسيا تتجاوز التضخم وتنطلق للنهوض ، بينما الركود و الكساد والتضخم أمراض متفاقمة في الاقتصادات الغربية ، مجددا القول أنه مع سقوط آخر أسلحة الغرب الذي تمثله العقوبات ، فإن عهد الهيمنة قد انتهى الى غير رجعة .

- أمام هذا الوضوح والتماسك والعمق في خطاب بوتين ، ضحالة ووهن وشتائم في خطاب الغرب ، وهذا التفاوت وحده يكفي لمعرفة هوية المنتصر في هذه الحرب .

2022-06-18 | عدد القراءات 1333