الفراغ السياسي الذي كشفته الإستشارات كتب ناصر قنديل

الفراغ السياسي الذي كشفته الإستشارات 

كتب ناصر قنديل

- يمكن القول بالمعنى السياسي إن الرئيس نجيب ميقاتي قد فاز ب مئة صوت هي حاصل جمع ال 54 الذين صوتوا له وال 46 الذين صوتوا بلا تسمية ، ذلك ان الفوز بالتسمية لا يحتاج نصابا معينا أو اكثرية موصوفة كما هو الحال في انتخابات رئاسة الجمهورية ، حيث لا يمكن الفوز حتى في الدورة الثانية وما بعدها بأقل من الأغلبية المطلقة لمجلس النواب ، فيكتسب عندها التصويت بورقة بيضاء معنى الحؤول دون فوز المرشح الأوفر حظا بحرمانه من نيل الأكثرية المطلوبة ، وإعاقة وصوله بالتالي ، اما للتفاوض معه على مطالب وشروط معينة ، أو لكسب الوقت لتنظيم ترشيح معاكس يتمكن من نيل هذه الأكثرية ، أما في تسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة فالتصويت للا أحد ولو بلغ اعلى مما ناله المرشح الأول فذلك لن يؤثر على فوزه بالتسمية .

- التصويت للاأحد من أكبر كتلتين نيابيتين هما كتلة القوات اللبنانية وكتلة التيار الوطني الحر ، ومن المهم لفت الإنتباه الى انهما الكتلتين المسيحيتين اللتين تمثلان اكبر حزبين متنافسين في الساحة المسيحية يلتقيان في هذا التصويت على مرشح واحد هو لا أحد ، لأبرز منصب سياسي في الإدارة اليومية لشؤون الدولة في بلد يعيش الإنهيار كل يوم ، يعبر عن الفراغ السياسي الذي يهيمن على الواقع اللبناني ، رغم كثرة الكلام المقال قبل الإنتخابات وخلالها وما بعدها ، لأن قيمة الكلام السياسي الذي يخاطب الناس لنيل تصويتها انتهت مهمته مع الإنتخابات ، وصارت القيمة لتسييل هذه النتائج الإنتخابية التي أنتجها الكلام المقال ، بأصوات تسهم برسم مسارات تنسجم مع الكلام المقال قبل الإنتخابات ، ويفترض ان تسمية رئيس الحكومة يشكل أبرزها ، والفرضية الوحيدة لنفي الفراغ هي بالقول إن الرئيس نجيب ميقاتي هو المرشح الفعلي لهاتين الكتلتين من بوابة التصويت للاأحد ، بعد الإطمئنان بأن حجب التصويت عن منافسه كاف لضمان فوزه .

- اذا سلكنا التفسير الذي يقول ان ما جرى هو تعبير عن الفراغ السياسي ، فهذا يعني أن اللاسياسة حاكمة في مواقف كتل مقررة في الحياة الوطنية ، حيث لا تقوم السياسة على حشد عناصر التبرير ، بل على صناعة الخيارات والبدائل ، وحشد التحالفات المناسبة للفوز بها ، ومسؤولية صناعة الخيارات تقع على عاتق الكتل النيابية الكبرى ، انطلاقا من إدراك الجميع أن لا احد قادر على تشكيل أغلبية دون تحالفات ، يصير السؤال لقياس القدرة على ادارة السياسة ، وهذا هو معيار نجاح الأحزاب السياسية ، ما هو الخيار الذي تم طرحه في التداول لتشكيل أغلبية حوله ومدى ملاءمته لتحقيق هذا الهدف ، سواء كانت الكتل الكبرى التي صوتت للاأحد قد حاولت وفشلت ، أم لم تحاول ، فالنتيجة واحدة ، وهي ضعف القدرة على استكشاف الفرص وصناعة التحالفات حولها ، وصياغة الهدف تحسب بدقة القراءة لتركيبة الحلفاء المطلوب حشدهم وحساباتهم ، وانتقاء المشروع الأكثر قدرة على تحقيق هذا الهدف ، منذ اليوم الأول لظهور نتائج الإنتخابات ، وليس في الساعات الأخيرة لما قبل الاستحقاق .

- هذا مؤشر هام على ما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية ، حيث تغلب اللغة الشعاراتية على القدرة المطلوبة لصناعة أهداف قادرة على حشد التحالفات ، ويقيس الكثيرون صحة مواقفهم بمعيار انسجامها مع شعاراتهم وليس بمقدار خدمتها لهذه الشعارات بالتراكم الإيجابي ، ويمكن ببساطة ان نلاحظ انه لو تم ترشيح شخصية جدية ثالثة ورابعة ، من هاتين الكتلتين لتوزعت أصوات نالها كل من المرشحين نحو الترشيحات الجديدة ، وربما نافست على الفوز في ظل الحجم المنخفض للأصوات التي نالها كل من المتنافسين  .

 

 

2022-06-24 | عدد القراءات 1151