أوروبا دخلت الحرب على التوقيت الأميركي
فهل تخرج أميركا منها على التوقيت الأوروبي ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- لم يكن التصعيد الأميركي الأوروبي بوجه إيران وصولا الى تعليق المفاوضات في فيينا بشروط تعجيزية ، واعتماد إجراءات عدائية عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، معزولا عن النظرة الأميركية الأوروبية لمفهوم الحرب الواحدة ضد روسيا والصين وإيران ، بعد فشل محاولات الفصل بين الملفات ، واحتواء أو إغراء أو ترهيب أي من اطراف المثلث الآسيوي الصاعد وصولا الى تفكيك الحلف الثلاثي الذي يهدد الهيمنة الغربية ، ومثل خط الصعود كان خط النزول ، فالمبادرة الأوروبية المنسقة أميركيا نحو استئناف المسار التفاوضي بأفكار إيجابية مع إيران ، هي تعبير شامل عن الخلاصات التي رسمتها موازين القوى ، سواء في جبهة المواجهة مع روسيا أو مع الصين أو مع إيران .
- يتباهى الرئيس الأميركي بأنه أسقط 30 سنة من الاستثمار الروسي على العلاقات المميزة مع أوروبا ، وأثبت مناعة التحالف الأميركي الأوروبي ، ودرجة تماسك حلف الناتو ، لكنه لا يستطيع أن يتجاهل أن هذا الإنجاز الذي تجلى بنجاح أميركا في جر أوروبا وراءها وبتوقيتها لدخول الحرب الأوكرانية في مواجهة روسيا ، يبقى مؤقتا طالما أن الحفاظ على هذا التماسك الأميركي الأوروبي يستدعي ضبط إيقاع الخطوات الأميركية على حجم قدرة أوروبا على السير ، وطالما أن الاستثمار الروسي على العلاقة مع أوروبا لم يكن حملة علاقات عامة ، بل انطلاقا من حقائق تفرضها الجغرافيا الإقتصادية وفي طليعتها حقيقة أن روسيا القريبة هي أفضل مورد للغاز والنفط لأوروبا ، من زاوية المصلحة الأوروبية ، وأن النجاح الأميركي أوروبيا مشروط بأحد أمرين ، الأول هو الفوز برهان اسقاط روسيا بالضربة المالية القاضية عبر العقوبات ، التي صممت لدفع الاقتصاد والنظام المالي في روسيا للإنهيار ، ما يضمن نهاية سريعة للحرب التي لا يمكن الرهان على الجانب العسكري الصرف للفوز بها ، وعند الانهيار المالي الروسي يتحقق الخضوع الروسي للشروط الأميركية الأوروبية كما كانت تقول الخطة المفترضة ، والثاني هو النجاح بتأمين بدائل كافية وبأسعار معقولة توفر الطاقة لأوروبا ، وجدول زمني مناسب مع تزامن الخروج من مصادر الطاقة الروسية ، وعندها تتحضر أوروبا للتأقلم مع حرب طويلة تستطيع تحمل تداعياتها .
- فشل الرهانان الأميركيان ، رغم سلاسة الانصياع الأوروبي ، و اقتربت ساعة الحقيقة ، فقد شرعت روسيا بوقف ضخ الغاز ، والمخزونات الأوروبية لا تكفي للحد الأدنى من حاجات ومتطلبات الشتاء القادم ، وقد امتلأت الغابات الأوروبية بالعائلات تحول أشجارها الى حطب ، واستبدلت في البيوت تجهيزات التدفئة على الغاز بتلك القديمة على الحطب ، وعاد الفحم الحجري رغم نسب التلوث المرتفعة التي يتسبب بها للدخول على الكثير من أوجه الاستخدام الصناعي ، والحديث على أعلى المستويات عن تناوب المصانع الكبرى على يومين للعمل في الأسبوع وإقفال صناعات لا تحتاج الأسواق الداخلية منتوجاتها المخصصة للتصدير ويمكن الإستغناء عنها ، وبلغ ارتفاع الأسعار نسبا متصاعدة ، تتراوح بين 50% و100% ، وهي مرشحة للتزايد ، ومعها الإضطرابات الإجتماعية والسياسية قادمة ، وأول المؤشرات جاءت من الإنتخابات الفرنسية .
- بالتوازي كشفت كل الاتصالات والمحاولات التجارية والسياسية لتأمين الغاز من مصادر أخرى أن سقف المتاح لا يغطي أكثر من 30% من حجم الغاز الروسي لأوروبا ، 10% من أميركا بضعف السعر الرائج ، و10% من قطر والجزائر ، لكن بعد العام 2024 ، و10% من غاز شرق المتوسط ، ودونه تعقيدات سياسية وأمنية ، كحال الغاز المفروض استخراجه وضخه من بحر عكا والمرتبط بمستقبل ترسيم الحدود البحرية مع لبنان ، وأمن الاستجرار عبر المتوسط ، وكلها بأكلاف عالية والحاجة لاستثمارات ضخمة ، وانتظار لشهور او سنوات ، بينما لم يعد موضع نقاش أي رهان على تهاوي الإقتصاد الروسي او انهيار النظام المالي للنقد الروسي ، فسعر صرف الروبل الذي استعاد مكانته بعد اهتزاز لم يدم لأكثر من ثلاثة ايام ، يحقق ارباحا تتخطى ال50% بالقياس لسعره قبل الحرب ، عاكسا نهضة اقتصادية داخلية ونموا متزايدا في قطاعات جديدة وفرتها عملية تشغيل البنى التحتية لمنشآت الشركات الغربية التي غادرت الأسواق الروسية بفعل العقوبات .
- ساعة الحقيقة الأميركية هي الاختيار بين المضي قدما في خيار المواجهة دون أوروبا ، التي بدأت علامات الإعياء والإنهاك تظهر عليها ، وبدأت الانقسامات تهدد وحدتها ، وصارت فرضية انسحاب تدريجي لدولها من خيار المواجهة مطروحة على الطاولة ، وهذا يعني فقدان زخم المواجهة ، في لحظة تعاني هذه المواجهة اصلا من العجز عن تحقيق تقدم ، سواء في المسار العسكري ، أو في المسار الإقتصادي ، والانفصال الأميركي عن أوروبا يعني منح روسيا ربحا استراتيجيا بتلقف هذه التشققات الأوروبية والتعامل معها ، وتخلي الأميركي عما تباهى به من الحفاظ على تماسك أميركا وأوروبا معا ، أو القبول باعتبار الحفاظ على الوحدة مع أوروبا يبقى الأمر الأهم في أولويات المرحلة المقبلة ، وهذا يعني انه كما دخلت أوروبا الحرب على التوقيت الأميركي ، فقد آن أوان أن تبدأ أميركا بالاستعداد للخروج منها على التوقيت الأوروبي .
- الإستجابة الأميركية للدعوة الأوروبية للعودة الى مسار التفاوض لإنقاذ الإتفاق النووي مع إيران ، وقبول تقديم ما يوصف بالتنازلات المؤلمة لتحقيق هذا الهدف ، هي تعبير عن مسار سيتكرر على الجبهة الأوكرانية بحديث مواز عن تنازلات مؤلمة على الغرب وأوكرانيا تقديمها ، تحت شعار دفع خطر المجاعة عن البشرية ، وقد بدأ الترويج لهذا الشعار تمهيدا لنقلات دراماتيكية في مسار الحرب الأوكرانية ، والحملة البريطانية التحذيرية من إذلال أوكرانيا ليست إلا استباق لهذا المسار القادم .
2022-06-27 | عدد القراءات 1299