المقاومة وحقول الغاز : عيون مفتوحة وذراع جاهزة
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- كان ختام في المقالة التي نشرت صبيحة عملية اطلاق المقاومة لطائراتها المسيرة فوق بحر عكا ، تحت عنوان ، المقاومة وحقول الغاز آذان صماء ، بالقول ، "الاحتلال مردوع ويكثر الكلام، والمقاومة تفرض معادلاتها ولا تحتاج إلى الكلام، وواثقة بأن ما طرحه الرؤساء هو آخر الكلام " ، وجاءت العملية المليئة بالمعاني والرسائل لتكمل رسم المشهد الخاص بمصير حقول النفط والغاز بين بحري صور وعكا ، فبعدما اعتقد الكثيرون أنه تم تحييد فعل المقاومة عن هذا الملف مع مجيء الوسيط الأميركي عاموس خوكشتاين إلى بيروت ، جاءت العملية لتقول ان المقاومة لا زالت طرفا حاضرا في هذه المعادلة ، وهذا بحد ذاته يعني الكثير .
- المضمون الثاني للعملية هو القول أن العرض الذي قدمه لبنان لجهة الخط النهائي المقترح للترسيم ، جاء مشفوعا بإصرار لبناني رسمي على وقف كل العمليات في حقول بحر عكا ، وأن محاولات التذاكي الأميركي الإسرائيلي باعتبار العرض اللبناني إعلان نهاية لمفهوم المناطق المتنازع عليها ، وما يحكمها من معادلات الامتناع عن الاجراءات الاحادية ، هو تلاعب وخداع لا يبشر بالخير لجهة التطمينات الأميركية بأن هناك تقدم على مسار التفاوض ، دون تقديم أي معلومات مفيدة محددة تشرح مضمون التقدم ، فالمناطق المتنازع عليها تبقى متنازع عليها حتى توقيع الاتفاق النهائي للترسيم ، والامتناع عن الإجراءات الأحادية في هذه المناطق يبقى موجبا لا نقاش حوله حتى إنجاز هذا الاتفاق ، وبالتالي فإن العملية أعادت استحضار مفهوم المناطق المتنازع عليها ، ومنع أي عمل فيها ، قطعا للطريق على أي رهان او وهم بامكانية البدء بالعمل في حقول بحر عكا ، تحت شعار ان هناك مسار تفاوضي ، وهناك تقدم فيه ، وهو أمر قد يستمر شهورا وسنوات ، تستثمر خلالها الثروات من جانب كيان الإحتلال ، ولبنان يتفرج وينتظر زيارة الوسيط الأميركي .
- العملية تستمد قيمة إضافية من كونها أول تظهير عملي لجدية تعاطي المقاومة مع ملف الثروات البحرية ، الذي تناولته قياداتها خلال السنتين الماضيتين بالكثير من التفصيل ، ووفقا آليات عمل المقاومة ، فإن العملية هي إعلان انتقال الملف من يد القيادة السياسية للمقاومة إلى يد القيادة الميدانية للمقاومة ، والإحتلال يعرف معنى ذلك جيدا ، فهو يعلم أنه منذ الآن عليه أن يضع في الإعتبار أن المقاومة ترصد وتتابع على مدار الساعة كل تفصيل يخص حقول بحر عكا ، وأنها تقف على الضفة الأخرى المقابلة له ، وعليه أن يتوقع ردود أفعالها و يضعها في حساباته قبل الإقدام على أي خطوة عملية تخص هذه الحقول ، ووفقا لخبرة الإحتلال مع المقاومة فعليه أن يحلل ويفسر الكثير من رمزيات معينة تضمنتها العملية ، بمدى توغلها في العمق ، وكيفية تجاوزها لأجهزة الرادار ، ومبرر اختيار ثلاثة طائرات دفعة واحدة ، ووظائفها ، ومن كل ذلك الاقتناع أن حقول بحر عكا صارت جبهة اشتباك مفترضة مع المقاومة .
- العملية وهي تعيد الاعتبار لمفهوم المناطق المتنازع عليها ، والقواعد الصحيحة لمضمون ودور العروض التفاوضية ، والمسار التفاوضي النزيه ، لا شرعية الاجراءات الاحادية خلال فترة التفاوض ، جاءت جوابا بمفهوم الحرب الناعمة على رسائل تحذير تلقاها لبنان ، وتخص المقاومة ، جاءت من أميركا وأوروبا تقول ان أي عمل يستهدف العمل في حقول بحر عكا هو مغامرة تعرض لبنان للخطر ، وأن هذه الحقول صارت من ضمن الأمن القومي الأوروبي ، وأن احترام لبنان للمسار التفاوضي يجب أن يتزامن مع كف يد المقاومة عن التعامل مع الملف ، والجواب هنا واضح لا يحتاج الى الاجتهاد ، فالمقاومة لا تعيد تحذيرها وحسب ، بل تنتقل الى رفع مستواه الى درجة الإنذار ، وعلى الأميركي صاحب الحل التفاوضي ، أو الأوروبي صاحب البضاعة المشتراة من الحقول ، إذا أرادا نجاحا للعمليتين التفاوضية و التجارية ، أن يضعا في الحساب أن أي خداع أو تلاعب مع حقوق لبنان ، واستخدام خبيث للوقت ، لفرض أمر واقع لن يمر دون أ، تقول المقاومة كلمتها ، والمقاومة تعيد التهديد الأميركي والأوروبي إلى أصحابه مع عبارة "مرتجع مع الشكر " ، وإضافة "انتبه أنت في منطقة عمل المقاومة" .
- الرسائل وصلت والمهمة أنجزت ، طالما أن الجواب الإسرائيلي ، الذي تضمنته التصريحات الصادرة عن مسؤولين وخبراء في الكيان ، لم يلمح الى نية تصعيد ، كانت المقاومة لا تريدها لكنها مستعدة لها ، ولا تخشاها ، بينما ركز الموقف الاسرائيلي على ما يؤكد ظنون المقاومة ، بالحديث عن سقوط صفة المناطق المتنازع عليها عن حقول بحر عكا ، وتحريكه لبعض الأقلام والأصوات في لبنان لتكرار ذات الكلام ، ما يعني أن تحرك المقاومة جاء في وقته ، وأن المهمة كانت ضرورية وملحة ، لأن ما كان مبيتا هو ذهاب كيان الاحتلال لعملية استخراج الغاز ، وتعليق لبنان على حبال انتظار الحديث عن ايجابيات ، لا زال يتأرجح على شقيقتها في ملف الكهرباء الأردنية والغاز المصري من سنة .
- تضيف المقاومة الى الأذن الصماء عيونا مفتوحة وذراعا جاهزة .
2022-07-04 | عدد القراءات 1218