المقاومة وحقول الغاز : عقل بارد ويد لا تهدأ نقاط على الحروف ناصر قنديل

المقاومة وحقول الغاز : عقل بارد ويد لا تهدأ 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- لم تصب المقاومة بالدهشة والذهول بالبيان الصادر عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية حول عملية اطلاق الطائرات المسيرة فوق بحر عكا ، ولم تشعر أن هناك حدثا جللا يستدعي التحرك الدراماتيكي منعا لوقوع كارثة كما يعتقد البعض من اللبنانيين الحريصين على سمعة بلدهم ومصالحه العليا وحقوقه الوطنية ، من موقع شعوره بالخزي الوطني للموقف الحكومي ، في لحظة مفصلية من الصراع على الثروات البحرية ، شكلت فيه عملية إطلاق الطائرات المسيرة مصدر قوة نوعية للبنان ، بوجه الخداع الأميركي و التلاعب بالوقت والعبث بواسطة الوعود المتكررة عن الإيجابية وتحقيق التقدم ، سواء في استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية أو في ترسيم الحدود ، فقالت العملية أن لبنان ليس ضعيفا كي يستفرد ، وأن كيان الإحتلال ليس قويا بما يتيح له الانفراد .

- منشأ الغضب الوطني والسياسي عند الغيورين على المصالح اللبنانية ، من الموقف الحكومي المجتزأ دستوريا ، بصدور ما يستدعي قرارا من مجلس الوزراء ببيان عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية ، هو الاستغراب ،  ومصدر الاستغراب هو الإعتقاد بأن رئيس الحكومة ووزير الخارجية المحسوبين كصديقين للمقاومة ، الأول بعدما قام نواب كتلة الوفاء للمقاومة بتسميته رئيسا للحكومة ومنحوا حكومته الثقة ويستعدون لتكرار ذلك ، والثاني المفترض انه مسمى من فريق رئيس الجمهورية الحليف للمقاومة ومن التيار الوطني الحر الحليف أيضا و بسبب تاريخ ممتد لثلاثة عقود تقريبا ، في علاقته الطيبة بالمقاومة ومواقفه المؤيدة لها ، ولو بحذر دبلوماسي وطائفي ، من جهة ، ومن جهة مقابلة بسبب الاعتقاد بأن إعلان المقاومة وقوفها وراء الدولة في ترسيم الخط المعتمد للحدود البحرية والتفاوض حوله ، يمنح المتمسكين بالتفاوض والساعين للرضا الأميركي حصة كافية في السياسة لقيامهم بترجمة احترام المساحة العملياتية التي يفرضها للمقاومة ، إعلانها عن التزام منع الاحتلال من استخراج الغاز من بحر عكا ، الذي يبقى منطقة متنازع عليها حتى الإتفاق النهائي لترسيم الحدود  ، وفقا لما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ، و تبنته الدولة عبر الرؤساء في لقاءاتهم مع الوسيط الأميركي التي تضمنت تقديم المقترح اللبناني لإتفاق الترسيم المفترض .

- بالنسبة للمقاومة تتم المقاربة بصورة مختلفة ، فالعقل البارد للمقاومة والذاكرة الحية التي يختزنها ، يضع مساحة مفتوحة للمزيد من مراكمة أفعال التخاذل الرسمي منذ انطلاق المقاومة ، والصعود والهبوط  في مواقف مسؤولي الدولة تبعا لدرجة شعورهم بالمسؤولية الوطنية ، لم يدفع بالمقاومة للبحث بصياغة معادلة تربط بين أدائها النابع من مسؤوليتها عن المواجهة مع الاحتلال ، في كل أدبياتها التي بقيت حتى عندما تقدمت المقاومة برؤيتها للإستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان على طاولة الحوار الوطني منذ نيسان عام 2006 ، أي قبل حرب تموز ، عندما قدم السيد نصرالله شفهيا وكتابيا رؤية المقاومة بحضور كل قادة الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية في الاجتماعات التي دعا اليه ورعاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ، وكررتها المقاومة في الاجتماعات اللاحقة في كل مناسبة أتيحت لذلك ، وكانت أطروحة المقاومة ولا تزال ، رفضا قاطعا لكل ربط مؤسسي للمقاومة بالدولة ، بما يعني سياسيا وعمليا ترجمة لمقولة ، وقوف المقاومة وراء الدولة ، علما أن الرؤية الاستراتيجية للمقاومة كما تضمنت كلمات عديدة للسيد نصرالله تلحظ تعزيزا مستداما لمقدرات الدولة وصولا لتحقيق التوازن الرادع مع قدرات جيش الاحتلال ، لكنها تبقى قائمة على ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة ، باعتبارها معادلة يقوم كل ركن من أركانها بمسؤوليتة عن زاوية من زوايا الردع الذي يجب ان يبقى موثوقا ، ومكتمل الأركان ، ولا يحتمل أي نسبة من الخلل الإفتراضي ، وصولا للقول ان ضمانة حفاظ الدولة على جهوزيتها الرادعة عندما تتحقق ، هو بقاء المقاومة على جهوزيتها المتفوقة على الاحتلال ، الذي لن يتأخر عن مواصلة سباق بناء القدرات لبلوغ ولو سانحة تتيح له التفكير بالحرب .

- الفرق بين معادلتي "وقوف المقاومة وراء الدولة " ، الأولى هي معادلة تقبلها المقاومة في كل ما يخص الشأن الحدودي لجهة اعتماد خط حدود بري او بحري للدولة اللبنانية ، وهي معادلة قديمة منذ انطلاقة المقاومة ، نابعة من خلفية عقائدية للمقاومة ترفض الاعتراف بشرعية كيان الإحتلال والتسليم بحدود للكيان هي حدود فلسطين المحتلة ، ومن واقعية سياسية تعلم أن موازين القوى لا تزال تفترض من المقاومة وضع سقوف عملها الميداني ضمن إطار الدفاع عن لبنان ضمن حدوده المعترف بها دوليا ، وهذا ما يفسر ارتضاء المقاومة عدم ضم القرى السبع اللبنانية ضمن مشروعها للتحرير ، واعتمادها ضم مزارع شبعا المحتلة إليه ، والثانية هي معادلة تتصل بالدعوة لربط خيارات المقاومة العملياتية النابعة من مسؤوليتها عن المواجهة مع الاحتلال بقرار المؤسسات الحكومية ، وهي بنظر المقاومة معادلة سياسية مهزومة تريد تقييد المقاومة وتعليبها ، وصولا لإنهائها طلبا للرضا الأميركي تتخذ كل مرة لبوسا مختلفا ، مرة تصير بثوب الحديث عن قرار السلم والحرب ، ومرة بالدعوة لخضوع المقاومة للحكومة ، ودائما بهدف تحويل المقاومة إلى جزء من الديكور الرسمي ، بدلا من الفعالية الاستراتيجية التي يفترض أن تتميز بها ، والمقاومة تسأل دائما ، هل هذا حق لبناني ، وعندما يكون الجواب بنعم ، فليس لأحد أن يسائلها عن كيفية صياغة آلية تدخلها للدفاع عنه ، وما دام منع الاستخراج من حقول عكا بصفتها منطقة متنازعة عليها ، كما قال لبنان بموجب وثيقة مرسلة مطلع العام للأمم المتحدة ، وكما قال الرؤساء للوسيط الميركي مؤخرا ، فللمقاومة وحدها أن تضع رؤيتها العملياتية لكيفية تحقيق هذا الهدف .

- الدمج بين المعادلتين لا يقع سهوا بسبب التباس لفظي بينهما ، بل هو نوع من التذاكي يلجأ إليه بعض المسؤولين الحكوميين ضمن لعبتهم الخاصة ، بعيدا عن المصلحة العليا للدولة ، وهي مصلحة تقررها النتائج بالمقارنة بين مقاربة هؤلاء المسؤولين  لأحادية لخيار التفاوض التي لم تنتج شيئا في الماضي ولا  هي فعلت في الحدود البحرية ، وفي وجهها مقاربة عملية المقاومة التي تقول النتائج أنها تسببت بتسليم كيان الإحتلال بقياداته السياسية والعسكرية بعجزه عن توفير الحماية اللازمة لاستخراج الغاز من حقول بحر عكا بالاعتماد على الوسائل العسكرية ، كما سبق وتعهد للأوروبيين ، بعدما ثبت أن ال12-15 دقيقة التي فصلت بين بلوغ أولى المسيرات إلى الحقول ، وإسقاط آخرها ، هي بإجماع "إسرائيلي - أميركي - أوروبي " يستدعي البحث في السياسة عن كيفية تفادي مزيد من الطائرات المسيرة من جانب المقاومة ، وهذا له طريق واحد ، وهو العودة الى دق باب الدولة اللبنانية طلبا للتوصل الى حل تفاوضي ، بعدما كان الموقف "الإسرائيلي - الأميركي - الأوروبي" يقوم على شراء الوقت بالضحك على المسؤولين اللبنانيين عبر الوعود الكاذبة لتمكين الإحتلال من مواصلة أعمال استخراج الغاز من الحقول ، على قاعدة أن الوسائل العسكرية كفيلة بحماية العملية .

- وفقا لما يتوصل إليه العقل البارد للمقاومة من تقدير لثمار اليد التي تعمل ، تسقط صفة الأهمية عن كلام الألسنة الطويلة التي تتناول المقاومة في الداخل ، لحساب دعوة أصحابها لأخذ العبرة من النتائج ومراجعة مواقفهم ، واكتشاف ما تغير في تعامل الخارج معهم ، بين قبل وبعد عمليات المقاومة ، والاستثمار على هذا التغير لحساب المصلحة العليا للدولة ، وفي ذاكرة المقاومة أن الرئيس رفيق الحريري عبر عن وطنية عالية في تلقفه لهذه المعادلة وتفاعله معها ، بعدما كان على ضفة التشكيك بجدوى أعمال المقاومة ، وقرر الانتقال إلى ضفة التشارك تحت الطاولة معها ، فيكون سقف موقفه المختلف ، أنه كرئيس حكومة لا يستطيع أن يطالب المقاومة بالتوقف عن عملياتها بينما حقوق لبنان مهدورة لا تجدي السياسة في صيانتها ، وقد بلغ هذا التشارك ذروته عام 1996 في مواجهة عدوان عناقيد الغضب ، وأثمر تفاهم نيسان الذي شرع المقاومة .

- طبعا عند المقاومة عتب أخلاقي ، مصدره أن ما كان يمكن فهمه من عدم ثقة بقدرة المقاومة أو حكمتها وشجاعتها ، قبل التحرير عام 2000 ، أو إنتصار عام 2006 ، لا يمكن فهمه بعد كل هذه التجارب التي لم تخرج المقاومة منها الا وهي ترفع شارة النصر ، وهي لن تخرج من حرب صيانة الثروات البحرية إلا كذلك ، وعلى المسؤولين الحكوميين الإهتمام بمسؤوليتهم التي تقف المقاومة وراءهم فيها ، وهي حسن إدارتهم ملف الترسيم ، تحديدا للخط الذي يمثل الحفاظ على الحقوق الوطنية ، وحسن ادارتهم للتفاوض لتثبيته ، أم مصادر القوة اللازمة لنجاحهم فعليهم أن يتركوها على عاتق المقاومة ، بما في ذلك فرض وقف الاستخراج على الاحتلال حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي مع لبنان ، والمقاومة عازمة على ذلك وقد أعدت نفسها لتفعل ، حتى لو كانت البيئة السياسية اللبنانية كما كانت قبل عقود ، عند توقيع اتفاق 17 أيار ، وخروج مواقف حكومية ودبلوماسية لبنانية ، تقول "إن عمليات المقاومة غير مقبول وانها تضر بالمسار التفاوضي الذي يديره وسيط أميركي يعول المسؤولون عليه " ، وهذا بالمناسبة ذات الكلام الصادر عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية بعد أربعين سنة .

2022-07-07 | عدد القراءات 1184