آب وتفاهمات المنطقة وتراجع واشنطن وحلفائها :
هدنة اليمن وغاز لبنان ونووي إيران
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- رغم استمرار الحرب في أوكرانيا ، وانطلاق مسار التصعيد حول تايوان ، لا تبدو واشنطن في موقع قرار مواجهة مع الصين وكذلك مع روسيا ، فهي عالقة في منطقة يصعب فيها التحرك ، حيث التراجع هزيمة مدوية ، والتقدم حرب خاسرة ، فالحسابات الخاطئة لكل أركان الإدارة الأميركية حول موازين المواجهة مع روسيا ، وما يظهر من نتائج تماسك روسي وانهيار أوروبي ، كانت كافية لمحاولة تفادي مواجهة جديدة مع الصين تسببت بها رصاصة طائشة اسمها نانسي بيلوسي ، وقد تفتح الباب لتصعيد تتصدره كوريا الشمالية مجددا ، لكن رغم كل ذلك تعمل واشنطن على ادارة الأزمات ، وهي تدرك عجزها المزدوج عن التقدم وعن التراجع ، ولعل هذا الذي يفسر مشهد المنطقة ، منذ مزاعم العودة وملء الفراغ ، التي أطل بها الرئيس جو بايدن من منصة قمة جدة قبل أن يعود خالي الوفاض في ملفي التطبيع وزيادة إنتاج النفط ، رغم الدعاية التي سبقته حول إنجازات في الملفين .
- في المنطقة تبدأ عناوين التهدئة وصناعة التفاهمات الممكنة ، ولو بالتراجع وتقديم التنازلات ، من بوابة الهدنة في اليمن ، حيث تضمن تجديد الهدنة لشهرين ، التزاما ببنود تتصل بفك الحصار يصر عليها أنصار الله ، وتشكل المراوغة في تحقيقها خلال الهدنة سببا لانفجار الوضع في الخليج بما يهدد التجارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر ، ويهدد موارد وممرات الطاقة في الخليج في زمن الحاجة لكل نقطة نفط وقطرة غاز ، و بالتالي سقوط الهدنة نفسها ، و عجز واشنطن عن تحمل هذه التبعات يقف وحده وراء تشجيعها على المضي قدما بصناعة تفاهمات تلبي ما يطلبه أطراف محور المقاومة ، ولا يشكل إعلانا رسميا للهزيمة الأميركية .
- بالتوازي مع هدنة اليمن ، ورغم كل التحذيرات المشروعة من الخداع الأميركي واللعب الإسرائيلي على عامل الوقت ، تبدو معادلات القوة التي فرضتها المقاومة في ملف غاز المتوسط هي التي تصنع الحدث ، حيث تضيق هوامش المناورة ، وتجد واشنطن وتل ابيب أنهما عالقتان في مضيق صعب لا يصلح للمشي ولا للسباحة ، بين تراجع مذل ومهين يمنح المقاومة نصرا بائنا ، في معادلات الصراع ، وظهورا مشرفا تجاه معاناة اللبنانيين كمدافع عن الحقوق وسبب لفتح أبواب الحلول ، أو مواجهة تغلق التجارة في البحر المتوسط ، وتضع الأمن الإسرائيلي وأمن النفط والغاز في مهب الريح ، وسقوط آخر الفرص أمام توفير وعود لبدائل عن الغاز الروسي بالنسبة لأوروبا ، وبين الخيارات المرة ، ترجح بقوة كفة التراجع الأميركي والإسرائيلي ، بالرغم مما يعنيه ذلك من تأثير على معادلات القوة في المنطقة بين محور المقاومة وكيان الإحتلال .
- ليس مستغربا في هذا المناخ تسارع المساعي للعودة الى مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني ، مع إشارات متلاحقة هذه المرة باعتبار جولة التفاوض الجديدة هي الأشد أهمية ، والأوسع فرصا للنجاح ، بعدما تم استنفاد كل القضايا بالنقاش والسيناريوهات المحتملة ، وصار الأمر الأهم هو اتخاذ قرار استراتيجي بين تعويم الإتفاق أو دفنه ، وفي الإختيار هنا لا يوجد تكافؤ أميركي إيراني ، لأن إيران التي ستخسر من عدم رفع العقوبات كثيرا من الفرص أمامها بدائل اقتصادية عبر علاقاتها المتنامية بسرعة مع روسيا والصين ، وخط التبادل التجاري دون المرور بالدولار الأميركي والمصارف الأميركية ، وفي مجال بناء القوة تتقدم إيران باضطراد كدولة أولى في المنطقة ، بينما يتراجع حلفاء أميركا أمام حلفائها ، أما بالنسبة لواشنطن فدفن الاتفاق بالنسبة إليها هو مواجهة خطر إيران نووية دون امتلاك أي استراتيجية لمواجهة هذا الخطر ، ومواجهة توترات اقليمية متصاعدة توسع نطاق النفوذ الإيراني ، وتبلور حلف قوة مناوئ لواشنطن في آسيا بتلاحم المصالح الروسية والصينية والإيرانية ، ومواجهة المزيد من الشح في موارد الغاز والنفط لأوروبا في ظل حرب أوكرانيا والأزمة مع روسيا ، حيث تمثل إيران موردا هاما لتعويض النقص الأوروبي .
- المنطقة تدخل منخفضا أميركيا ، تسجل قوى المقاومة خلاله المزيد من المكاسب والانتصارات ، في مرحلة عنوانها الربح بالنقاط .
2022-08-04 | عدد القراءات 1052