في ذكرى 4 آب : الفرضية التي لم تناقش بجدية كتب ناصر قنديل

في ذكرى 4 آب : الفرضية التي لم تناقش بجدية 

كتب ناصر قنديل

- ككل القضايا التي مرت بلبنان واللبنانيين ، والمحن التي ألمت بهم ، والكوارث التي نزلت عليهم ، تحولت قضية انفجار مرفأ بيروت الى منصة لتقاذف الاتهامات ، واللعب السياسي ، وتبرع الكثيرون بأدوار خبراء فراحوا يركبون سيناريوهات وافتراضات لخدمة موقعهم السياسي ، بمعزل عن مدى قربها من الواقع أو تعبيرها عن صدق الحديث عن الالتزام بحقوق الضحايا بالحقيقة والعدالة .

- التحقيق القضائي لم يكن بعيدا عن هذا التوصيف ، فغابت عنه الضرورات القانونية البسيطة ، كالإجابة عن سؤال حول المسؤولية عن التفجير ، رغم أهميته في اظهار الحقيقة وفتح الباب نحو العدالة ، وليس عن مسؤولية التقصير لسهولة توظيفه في اللعب السياسي ، فذهب للثانية وتخلى عن الأولى ، بل تخلى عن نشر التقرير التقني المجمع عليه داخليا وخارجيا رغم حيويته بالنسبة للمصابين في تحصيل أموال التأمين العالقة ، بما يلقي شبهة خدمة غير مجانية لشركات التأمين ، والسؤال عن مسؤولية التفجير يبدأ من أولوية التحقيق مع الذين وافقوا على دخول المتفجرات وتخزينها وكانوا يملكون صلاحية التصرف ولم يستخدموها ، وهم مسؤولون عسكريون وقضائيون بقوا خارج التحقيق الجدي .

- يبقى السؤال الجوهري الذي يطال تعطيل مسار التحقيق ، والمتصل بالانقسام حول احالة ملاحقة الوزراء والرؤساء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ، وهو انقسام مستمر ، وسيبقى قادرا على تعطيل التحقيق ، لكن أحدا لم يكلف نفسه عناء مناقشة فرضية ماذا لو تم تسهيل نقل ملاحقة الوزراء والرؤساء الى المجلس الأعلى فما هي الاحتمالات ؟

- يجيب البعض فورا ان النتيجة هي التمييع وصولا لتضييع الحقيقة والعدالة  ، فهل هذا صحيح ؟ 

- الشيء الأكيد هو أنه في هذه الحالة ستزال العقد من طريق التحقيق العدلي فيما يتعلق بغير الوزراء والرؤساء ، ولأن الحقيقة واحدة حول كيف تم التفجير ، ومن جلبها ولمن تعود ملكيتها ، ومن وافق على إدخالها ، ومن أمر ببقائها ، ومن منع الأخذ بالتحذير من خطورتها ، وهذا التحقيق يملك كامل الصلاحية  بإظهار أدوار رؤساء ووزراء ان وجدت ، مع الاشارة الى ان ملاحقتهم محجوبة عن المحقق بسبب انتقالها إلى المجلس الأعلى ،  ما يعني أنه في شق كشف الحقيقة لن تتأثر قدرات المحقق العدلي على قول كل ما توصل اليه ، وهو ومن يرفضون السير بهذا الخيار يعطلون بوعي فرصة معرفة الحقيقة ، ويفضلون إطلاق النار السياسي على تمنع الرؤساء والوزراء عن المثول أمامه .

- يبقى الشق المتعلق بالعدالة ، أي بالمحاكمة ، فالمعلوم أن المجلس الأعلى يتشكل من خمسة عشر عضوا ، سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب ، موزعون على الكتل النيابية ، وليسوا على رأي واحد ، وثمانية قضاة هم أصحاب أعلى الرتب القضائية ، أي جزء هام من أعضاء مجلس القضاء الأعلى ، والمجلس العدلي ، ورئيس المجلس الأعلى للمحاكمة  هو رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المجلس العدلي ، ما يعني في حال وجود نوايا للتمييع أحد احتمالين ، اما افشالها بالاغلبية الممكن تشكيلها في المجلس الأعلى ، أو بالحد الأدنى فضحها ونقلها الى محكمة الرأي العام ، لفتح معركة اسقاط المجلس الأعلى بدليل الحماية التي قام بتوفيرها للمتهمين .

- السؤال المحير لماذا لم يتم سلوك هذا الطريق من قبل الذين يدعون الحرص على كشف الحقيقة ، رغم قصر طريقه بوضع التحقيق العدلي أمام تحدي قولها كاملة ، ورغم اتاحة فرصة لتحقيق العدالة أمام المجلس العدلي والمجلس الاعلى أو على الأقل أمام محكمة الرأي العام ، وتحويل المجلس الأعلى عندها إلى متهم وشريك بالجريمة .

- التفسير الوحيد هو أن التحقيق العدلي لا يريد بلوغ الحقيقة بل تطبيق مفهوم فريق سياسي للانتقام من فريق سياسي آخر ، بدأ باتهامه منذ اليوم الأول ، ووجد في استثمار القضية منصة مناسبة لمواصلة ذلك ، والفرق كبير بين الحقيقة والعدالة من جهة ، والانتقام السياسي من جهة أخرى ، ولعل أكبر الأخطاء التي يواصل كثيرون الوقوع فيها هي ربط تحقيق 4 آب بثورة 17 تشرين ، والقول ان التحقيق هو اداة لتحقيق اهداف الثورة بالنيل من الطبقة السياسية ، كما يواصل الكثيرون القول من أهالي الضحايا ، والإعلام الذي يدعي مسؤولية ملاحقة القضية ، وصولا لما نقل عن المحقق العدلي نفسه .

2022-08-04 | عدد القراءات 1058