بين سلمان رشدي و رضوان عقيل وحرية التعبير والمعايير الأخلاقية والإنسانية
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- ينقسم النقاد حول كتابات سلمان رشدي على أساس أيديولوجي وسياسي أكثر مما ينقسمون على الأساس الأدبي والإبداعي والفكري ، فهناك شبه إجماع على أن شبهة العداء الأيديولوجي والسياسي الذي لا يخفيه رشدي للفكر الديني ، والذي فجره سياسيا مع صعود الثورة الإسلامية في إيران ، كان حاضرا في خلفية كتابه آيات شيطانية ، ومثله شبه إجماع على تموضع سياسي ثابت لسلمان رشدي في خندق تأييد الحروب الأميركية ومحاولة تجميلها ببعض الإنتقاد ، تحت شعار أخطاء أقل وحروب أكثر ، كما أن شبه إجماع شبيها ينشأ عند مناقشة نوعية النص الذي اختاره رشدي للتعبير عن عدائه للإسلام وللثورة الإيرانية والمد الذي أطلقته في العالم الإسلامي ، فهو لم يختر النقاش الفكري ولا الحقوقي ولا السياسي ، بل اختار السخرية المهينة والأوصاف المقذعة بحق الرمز الأول للإسلام ، اي نبيه ، وحظي بفعل ذلك بإحتفالية غربية مدنية ، كان يفترض بها أن تتولى الحكم على العمل بعين الحرص على الإخاء الإنساني ، والدعوة للمناقشة الفكرية الراقية والمحترمة لقضايا الخلاف ، بدلا من اعتبار حرية التعبير مصدر حصانة لهذا النوع من النقاش ، اسوة بما فعلت عندما خرجت أعمال مسيئة للمسيحية تمت احالة البت بأمرها للقضاء المدني ، كما جرى مع فيلم "الإغواء الأول للمسيح" .
- في قضية سلمان رشدي نحن في قلب قضية الشرق والغرب ، والمعايير المزدوجة للحقوق والحريات والقانون ، فمعاداة السامية تهمة جامعة لكل الفضاء الثقافي والحقوقي الغربي تنتظر كل من يشتبك مع الصهيونية ، ولو كان رمزا ثقافيا من الصف الأول مثل المفكر روجيه غارودي ، وليس إسما من الصف العاشر مثل سلمان رشدي ، و في قضية سلمان رشدي ما هو مطروح للنقاش ليس أبدا قضية حرية التعبير ، التي تمثل هنا ذريعة خوض الإشتباك ، عبر اعتماد مدافع رشدي الكلامية المقذعة للبدء بإطلاق النار في حرب ، وانتظار الرد عليها ، لرفع عقيرة حرية التعبير بوجهها ، وفي هذه الحرب ، التي تختفي معها حقوق الإنسان لملايين الفلسطينيين ، يصير كاتبا تافها مثل سلمان رشدي رمزا للحضارة الإنسانية ، ويشترك عرب ومسلمون بالذريعة ذاتها ، حرية التعبير في هذه الحرب ، وفتوى الإمام الخميني هنا واحدة من مفردات الحرب ، بمعزل عن تنفيذها ، لأن الفتوى كانت احدى أدوات الردع في قلب الحرب ، وهذا ما يؤكده الإعلان الإيراني الرسمي عام 1998 بالتخلي عن فتوى إهدار دم رشدي ، وهو الإعلان الذي رافق عودة العلاقات الدبلوماسية بين بريطانيا وإيران ، لذلك يمكن لبعض المتخصصين بالقضايا الحقوقية اعتبار الموقف من الفتوى ، موضوعا لمناقشة المحاكم الدينية ، وحكم الإعدام ، وهما قضيتان لا تخصان قضية رشدي ، فالفاتيكان سبق واصدر احكاما بمنع حرية التعبير ، عبر قرار تحريم تداول فيلم دافنشي كود ، والموقف من عقوبة الإعدام ، على أي أنواع من الجرائم موضوع انقسام حقوقي عالمي ، ، والملفت اننا سنجد بين المتضامنين مع ما يسمونه حرية التعبير في حالة سلمان رشدي ، خصوصا بين اللبناتيين ، كثيرون لا يكتفون بتأييد المحاكم الدينية ، كما في حالة الفاتيكان ، بل يصرحون بأن مواطنا لبنانيا يخضع لسلطة محكمة دينية في الفاتيكان ، وتمنع المحاكم المدنية عن ملاحقته ، لمجرد انه يلبس زيا دينيا ، وتمت ملاحقته بتهمة تهريب أموال من كيان الإحتلال لحساب المتعاملين معه .
- في لبنان القضية ببساطة ليست قضية رشدي ولا قضية حرية التعبير ، ولا المحاكم الدينية والفتاوى ، ولا عقوبة الإعدام وإهدار الدم ، بل هي قضية حزب الله ، ومن يناوئون حزب الله ، الذين اعتبروا أنهم وجدوا في حادثة محاولة قتل رشدي على يد أميركي من أصل لبناني ، التي يعلمون انها فردية ، مناسبة لإحراجه وإحراج مؤيديه كمقاومة لبنانية تخوض بنجاح قضية الحدود البحرية التي تحرج الغرب كله ، ليسألوا أنتم مع حرية التعبير ام مع إهدار دم رشدي ، ونظرا لمكانة الإمام الخميني في عيون هؤلاء ، سيتسنى تظهير موقفهم مهما كان سليما على الصعيد الأخلاقي و الإنساني والحقوقي ، للقول إنهم أعداء لحرية التعبير ، وهذا ما حدث تماما مع الكاتب رضوان عقيل ، الصحافي في صحيفة النهار .
- تقدم قضية الأستاذ رضوان عقيل مثالا نموذجيا عن مدى نفاق أصحاب مزاعم الدفاع عن حرية التعبير بتحزبهم وراء سلمان رشدي ، فهم بسبب رأي مبدئي قاله عقيل قاموا بإهدار دمه تحت شعار حرية التعبير ، ونظموا حملة تدعو لطرده من المؤسسة التي يعمل فيها ، وتنادوا من كل حدب وصوب لتشكيل جيش الكتروني يمطر الرسائل الهادفة للمطالبة بتدفيعه ثمن ممارسته لحرية التعبير ، التي يبدو من كلامهم عن سلمان رشدي انهم سيدفعون دماءهم ثمنا ليقوم عقيل بالتعبير الحر عن رأيه ، عملا بقول جان جاك روسو الذي كانوا للتو يرددونه ، في معرض شرح أفكارهم النبيلة عن حرية التعبير ، ليظهر باليقين أن القضية ، كما في العالم في لبنان ، ليست قضية معايير أخلاقية وإنسانية وحقوقية ، بل سياسة صرف ، تستخدم فيها كل هذه المفردات عدة شغل .
- ابحثوا كم من المدافعين عن سلمان رشدي وقف مع سجناء وسجينات الرأي في الخليج، وكم منهم استنكر قتل المثقف نزار بنات في فلسطين ، وقبله ناجي العلي في لندن ، وكم منهم حول قضية اغتيال الصحافية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة ، التي يمضي اليوم على استشهادها مئة يوم ، إلى قضية رأي عام ، كما أراد أن يجعل قضية سلمان رشدي أو رضوان عقيل ، فتعرفون أنهم منافقون ، بل مجرد أكوام من المنافقين ، وعندما تجدون واحدا بينهم فقط طيق معاييره بأنصاف ، مهما تغير موضوع حرية التعبير وتبدلت وجوه قضية حقوق الإنسان ، انقلوا له كل الاحترام والاعتراف بحقه بالاحتجاج على فتوى إهدار دم رشدي ، وقولوا هذا يستحق ان يناقش سواء اتفقنا أم اختلفنا ، فللنقاش طعم ومعنى .
2022-08-19 | عدد القراءات 1048