الإمام موسى الصدر : الفرادة الإستثنائية نقاط على الحروف

الإمام موسى الصدر : الفرادة الإستثنائية 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- قيل الكثير في الميزات والمواقف التي مثلها وعبر عنها الإمام السيد موسى الصدر ، لكن تبقى بعض النقاط التي يمكن لها من خلال معالجتها في ذكرى تغييبه أن تضيف جديدا إلى المقاربة ، إلى الشخصية التي ندر أن اجمع اللبنانيون على مثلها ، وهم المختلفون على كل شيء ، وإذا انطلقنا من البيئة الطائفية التي قام الإمام الصدر باستنهاض حضورها والدفع بها إلى ميادين السياسة ، وحدد لها أهدافا وخاض بها مواجهات ،  سنكتشف أن التاريخ السياسي الفاعل للشيعة اللبنانيين ، وهو شيئ مختلف عن التاريخ الكفاحي أو التاريخ الثقافي ، يكاد يكون قد بدأ مع الإمام الصدر ، ذلك أن ظهور الدور الشيعي النضالي في مواجهة العثمانيين والفرنسيين ، أو اشتغالهم الثقافي والديني على مسائل الحكم والدولة والأمة ، لم يجعل منهم في مرحلة ما قبل الإمام الصدر قوة تأسيسية فاعلة في الكيان اللبناني ، وهذا أمر نادر في حياة الطوائف اللبنانية التي يصعب ربط حضورها السياسي في معادلات الكيان اللبناني بشخصية بعينها ، كما يندر ربط هذا الحضور على وجه الخصوص بشخصية دينية مرجعية .

- بعد أربع وأربعين عاما على تغييب الإمام الصدر ، يصر قادة الشيعة ، خصوصا الحزبين الكبيرين اللذين نالا في آخر دورات الإنتخابات النيابية جميع المقاعد العائدة للطائفة ، على أنهم ينهلون من معين الصدر ، وأنه القائد المؤسس للمسيرة السياسية والجهادية ، التي اتخذت عنوان الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من جهة ، وبناء مجتمع المقاومة من جهة موازية ، ولم يعد الكلام عن المرجعية المحورية للإمام الصدر قابلا للتأويل بصفته مجاملة يقدمها حزب الله تجاه تاريخ الإمام ، أو نحو علاقته بحركة أمل ، طالما أن حركة أمل تتقدم باعتبارها الوريث الشرعي لما يمثله  تراث الإمام ، فالكلام الصادر في أكثر من مناسبة عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول مكانة الإمام الصدر في نشوء وتطور مسيرة حزب الله ، يتجاوز ما تستدعيه المجاملة بكثير ، ولا يبدو ممكنا أن نجد لدى طائفة أخرى شخصية تلتقي بغير المجاملة أحزابها وشخصياتها على اعتبارها المرجعية المحورية المعاصرة لمسيرتها السياسية ، وتترجم ذلك بحلف سياسي ونيابي يجمع مكونات الطائفة على خلفية هذا الإجماع .

- يندر أيضا أن يجتمع خصوم الحزبين الكبيرين في طائفة على أنهم شركاء في ميراث الشخصية التي يعتبرها هذا الحزبان مرجعية محورية تأسيسية لهما في السياسة ، فاذا أرادوا مساجلة هذين الحزبين يبحثون عن كلمات قابلة للتأويل صادرة عن الإمام الصدر يحتمون وراءها في خوض السجال ، واذا أرادوا تأكيد أن الخصومة لا تستهدف الطائفة بل الخط السياسي للحزبين الكبيرين فيها ، سجلوا إعجابهم ، وموافقتهم أحيانا ،  لما سبق وقاله الإمام الصدر ، وهذا ايضا ليس مجرد مجاملة ، لأن كل باحث في تاريخ لبنان لن يستطيع إنكار مكانته الحاسمة في صناعة معادلات فكرية وسياسية ، غير تقليدية ، فهو أول  من نقل فقه الخطاب الإسلامي حول العروبة إلى التسليم بمعادلة لبنان وطن نهائي ، وهو أكثر القادة اللبنانيين تمسكا بالسلم الأهلي والعيش المشترك ، وقد بذل في سبيلهما وقته وفكره و تعبه وعرقه وصيامه ، وصولا الى ماء وجهه ، وكان مستعدا لبذل دمه ، وكان معرضا لذلك مرارا  .

- تكاد تكون المبادئ التي قام عليها اتفاق الطائف نسخا حرفيا لنصوص صادرة عن الإمام الصدر ، من مبدأ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ، الى اعتبار الغاء الطائفية السياسية هدفا وطنيا ، الى هوية لبنان العربية وعلاقته المميزة مع سورية ، الى اعتماد صيغة منصفة ومتوازنة بين الطوائف تحفظ مكانة خاصة للمسيحيين فيه ، وتحقق للمسلمين الشعور بالشراكة الكاملة ، كما تكاد مصطلحات اللحظة الراهنة على الضفتين المتقابلتين في لبنان مأخوذة عن الإمام الصدر ، فهو الأشد تمسكا بالسيادة ودور الجيش اللبناني ، وهو مؤسس المقاومة والداعية الأول وراء نشوئها ، وقد صاغ استراتيجيته الدفاعية بما لا يجعل الجيش والمقاومة يتنافسان على ممارسة السيادة ، بل يتكاملان في حفظها وحمايتها ، وهو صاحب معادلته جيش يمتلك أحدث الأسلحة وتجنيد إلزامي ينظم الشعب وراء الجيش ، ومقاومة قادرة على تشكيل النواة الصلبة من أجل استنزاف الاحتلال عندما يتعرض لبنان للعدوان ، وبنى تحتية لمجتمع المقاومة من الملاجئ إلى مقومات الصمود الاقتصادية ، وفي طليعتها الإنماء المتوازن وإزالة الحرمان ، وبناء دولة الرعاية .

- يكفي لنعلم فرادة التميز الاستثنائي ان نتذكر ان الإمام الصدر اول مؤسس مشروع مقاومة في التاريخ مهمتها الدفاع وليس التحرير ، فيوم أطلق المقاومة لم يكن الاحتلال الإسرائيلي واقعا ، ولذلك يفوت الذي يربطون المقاومة بالتحرير حصرا ويطالبون بنزع سلاحها على هذا الاساس ، ان المقاومة التي أرادها الإمام الصدر كانت مهمتها حماية لبنان من خطري العدوان والإحتلال .

2022-08-29 | عدد القراءات 1019