ناصر قنديل
– في كل من الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت ألمانيا بيضة القبان، وكانت هزيمتها في الأولى ثم تقسيمها واستسلامها في الثانية إيذاناً بدخول العالم مرحلة جديدة في كل مرة. ومنذ استعادة ألمانيا وحدتها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وتحوّلها إلى ركن فاعل في الحلف الغربي الاقتصادي والسياسي، والعين على ألمانيا، حيث سيتقرّر مصير الحرب العالمية الثالثة، التي يقول الروس إنها بدأت مع سقوط جدار برلين، وإنها خيضت على مراحل منذ حرب يوغوسلافيا، وإن كل ما جرى خلال العقود الثلاثة الماضية كان حرباً عالمية ثالثة متنقلة تخاض بالتقسيط، ومع وصولها الى حدود ألمانيا واقتصادها من البوابة الأوكرانية نكون قد بلغنا الفصل الأكثر تشويقاً والأكثر خطورة والأكثر حسماً في مسار هذه الحرب، ذلك أن ألمانيا لعبت في الماضي وتلعب هذه المرة هذا الدور المفصليّ لأنها الرافعة الاقتصادية والسياسية لأوروبا، وقلبها النابض والساحة الأكثر تأثراً برياح التغيير السياسي. فمنها خرج اليسار ومنها خرجت النازية ومنها خرجت أحزاب الخضر.
– المخاض الأوكراني الذي يخيّم على العالم يلقي بأشد الظلال على ألمانيا، حيث لا نقاش في موقعها القيادي لسياسة العقوبات على روسيا، افتراضها أن روسيا ستسقط بالضربة القاضية لتتحوّل ألمانيا الى الضحية الأولى للعقوبات على روسيا بفعل حجم تأثرها بأزمة الطاقة، واليوم ليس بيد الحكومة الألمانيّة سوى نداءات الصمود والتقشف، والاستعداد للتضحية. وهذا الخطاب يلقى حماسة في أوساط لا تتعدّى 25% من الألمان هم مؤيّدو قلب التحالف الحاكم ممثلاً بثنائي، الحزب الاشتراكي الذي يقوده المستشار أولاف شولتز، الذي كان يحوز دعم 28% قبل الأزمة، والحزب الديمقراطي الذي انخفضت شعبيته من 12% إلى 8%، بينما ينمو وزن الشريك الثالث في التحالف الحاكم الذي يمثّله حزب الخضر، فيحصد وحده 23%، ما يعني مجموع 48%، وهي حافة خطرة عشية انتخابات الولايات، خاصة أن الحفاظ على التحالف مع الخضر له ثمن باهظ وهو الامتناع عن تشغيل محطات الطاقة النووية، وهو المطلب الذي شكل جوهر برنامج الخضر الانتخابي. بينما تنمو المعارضة وهي تحمل خطابا يدعو لوقف معاقبة الألمان وتشريدهم من أعمالهم بداعي معاقبة روسيا، وصولاً للدعوة الى فصل الاقتصاد عن السياسة، وتقديم المال والسلاح لأوكرانيا، دون التخلي عن أرخص مورد للغاز الذي تمثله روسيا، تحت شعار العقوبات التي لا يستفيد منها الروس والأميركيون، الروس بتجميع مخزون نقديّ يمثل أضعاف ما كان عليه مدخول روسيا قبل الحرب من مبيعات الغاز، والأميركيون الذين باتوا مصدر بيع الغاز بأسعار خيالية لألمانيا من جهة، ووجهة بديلة تستعد الكثير من الشركات الألمانية الكبرى الى اعتمادها مقراً رديفاً لمصانعها، بسبب الفرق الهائل في أكلاف الطاقة.
– تستبعد الفاينانشيال تايمز أن تصمد ألمانيا اقتصادياً، مع نمو سلبي قبل نهاية العام وركود لم تشهده منذ سبعين عاماً، وإقفال آلاف المصانع وتشريد مئات آلاف العمال، ومعاناة الملايين من نقص الطاقة اللازمة للتدفئة في الشتاء، بينما يتحدث البنك الدولي عن أزمة تهدد بالانهيار المالي والاقتصادي خلال ستة شهور. ويتحدّث خبراء ألمان لموقع دويتشه فيله عن كارثة مقبلة يصفونها بقطار سريع يخترق جداراً، ولا يعرف أحد ماذا وراء الجدار، ويقولون على الأرجح هي الهاوية، ويقول الخبراء الألمان أنفسهم إن الدخول في لعبة العض على الأصابع مع روسيا قد انتهت لصالح روسيا، وإن ألمانيا باتت تعضّ على أصابعها وليس على أصابع الروس، وربما لن يستفيق المستشار شولتز على صرير أسنانه وهي تقضم أصابع الألمان، إلا إذا خسر تحالفه الحاكم الأغلبيّة في انتخابات الولايات في الشهر المقبل.
– زعيم المعارضة فريدريك ميتز يقول إن الأزمة وجودية وإنها ستنفجر حكماً خلال أسابيع. وهو يتبنى عودة ألمانيا بيضة قبان، في الوقوف وراء ما يسميه مصلحة ألمانيا أولاً، ولو اقتضى ذلك التموضع في منتصف الطريق بين واشنطن وموسكو اقتصادياً، رغم الحلف السياسي المطلوب مع الأميركيين.
2022-09-14 | عدد القراءات 1070