ناصر قنديل
ــ لم يكن ثمّة حدث يستدعي انعقاد لقاء ثلاثيّ أميركيّ فرنسيّ سعوديّ حول لبنان، في ظل الغموض المرتبط بمواقف الثلاثي من الاستحقاقات اللبنانية الثلاثة، ترسيم الحدود البحرية، وتشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بقدر ما كان الاجتماع والبيان الذي صدر عنه تعبيراً عن نية الثلاثي إزالة الغموض المحيط بمواقف أطرافه من هذه الاستحقاقات، خصوصاً بعد فشل الثلاثي بالجملة والمفرق بتحويل الانتخابات النيابية التي تمت قبل شهور قليلة إلى مناسبة للاحتفال بإلحاق الهزيمة بحزب الله وحلفائه، كما كانت النيات المعلنة من أعلى مستويات القرار في واشنطن والرياض على الأقل، وقدر من الغموض الفرنسي، وليس خافياً أن الفوز بالانتخابات كما كان مطلوباً، لو تحقق لفرض فرصاً مختلفة في مقاربة الاستحقاقات الثلاثة، الترسيم والحكومة والرئاسة.
ــ رغم عدم فوز حزب الله وحلفائه بأغلبية واضحة، فقد قالت الانتخابات وما تبعها أن مشروع إلحاق هزيمة مدوّية بالحليف المسيحي الرئيسي لحزب الله، الذي يمثله التيار الوطني الحر قد سقط سقوطاً مدوياً وباء بالفشل، وجاء استطلاع الرأي الأخير الذي أجرته شركة سعودية مملوكة من رجل الأعمال السعودي عبدالله العثيم، حول توجّهات اللبنانيين الرئاسية ليكذب مزاعم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بتقدمه شعبياً مسيحياً أو وطنياً، على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وليسقط الأوهام التي تمّ الترويج لها حول أن 70% من اللبنانيين يريدون رؤية قائد الجيش في سدّة الرئاسة، بينما يتوزّع المترشّحون ما تبقى من الـ 30% من اللبنانيين، ليظهر أن باسيل نال أعلى تصويت متقدماً على جعجع وقائد الجيش، فيصبح القبول باعتبار الاستحقاق الرئاسي استحقاقاً برلمانياً لا منصة احتكام للرأي العام أسوة بما جرى في 17 تشرين، مخرجاً مناسباً لعدم الاصطدام مجدداً بتصدّر باسيل للتصويت الشعبيّ.
ــ جاءت الانتخابات المجلسيّة التي تضمنت انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب لتكشف إمكانية أحادية لتشكل أغلبية الـ 65 نائباً، وهي أن تتشكل الأغلبيّة لحلفاء لحزب الله، ولم ينل الخصوم الذين اعتمدهم الثلاثيّ إلا فرصة التحرك بين حدين هما الـ 39 نائبا الذين نالهم المرشح القواتي زياد حواط لمنصب أمين سر المجلس بوجه مرشح التيار الوطني الحر الذي نال 65 صوتاً، والـ 60 صوتاً التي نالها المرشح غسان سكاف عندما تم حشد كل التحالفات بوجه مرشح التيار الوطني الحر لمنصب نائب رئيس المجلس الذي نال 65 صوتاً أيضاً، ما يعني أن أمام الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي فرصة أحادية للتأثير بمسار الاستحقاق الرئاسي، وهي فرصة تعطيل النصاب، وإيقاع البلد بالفراغ المديد، منعاً لوصول رئيس بتصويت مشابه للذي جاء برئيس المجلس أو نائبه أو أمين سره، أو بالجمع بينهم.
ــ بفعل الموقع القياديّ للأميركيّ في مواقف الثلاثي كما قالت تجارب تشكيل حكومة برعاية فرنسية من قبل، فليس خافياً أن المقاربة الأميركية محكومة بأولوية ملف ترسيم الحدود البحرية والمفاوضات بين لبنان وحكومة كيان الاحتلال، والتي صار حزب الله اللاعب الرئيسيّ على خطها بفعل تهديداته بإشعال حرب إذا لم تتم الاستجابة للحد الأدنى من المطالب اللبنانية، وليس خافياً أيضاً أن فرضية استعمال الفراغ الرئاسي والفوضى الدستورية في ملف الحكومة، عبر إبقاء حكومة تصريف الأعمال والخلاف حولها، ذريعة للمماطلة بإنهاء ملف الترسيم، ورمي المسؤولية على لبنان، كانت قائمة، وترابط بسببها مصير الحكومة الجديدة وانتخاب رئيس جديد، بحسابات الترسيم، وأن حزب الله قد تعامل مع هذا الترابط بوضع سقف زمني للمفاوضات وتشكيل الحكومة معا ينتهي قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية، ويضع فرضية الحرب على الطاولة، ما فرض تسريع ملفي الترسيم والحكومة، وأسقط فرضيّة الرهان على تعطيل النصاب في انتخاب الرئيس.
ــ البيان رسالة جوابيّة سلبية على طلبات لبنانية بتوفير التغطية لتعطيل جلسات انتخاب رئيس جديد، ورسالة جوابية إيجابية على طلبات لبنانية مقابلة بتوفير التغطية للتوصل الى رئيس توافقي، أو بتعبير آخر البيان إعلان تبني موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورفض طلب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وهذا معناه أن أيّ تأخير عن المهل الدستورية في انتخاب الرئيس سيكون ظرفياً ومتصلاً بعدم الوصول إلى التوافق المنشود، وليس نتاج مشروع عنوانه الفراغ المديد في سدة الرئاسة.
2022-09-24 | عدد القراءات 1098