حقيقتان تفرضان حضورهما لدى معاينة ما يوصف بالحركة الاحتجاجيّة النسويّة التي تشهدها إيران، الأولى أن العالم ليس منقسماً بين بلاد تلزم النساء بالحجاب وبلاد تحترم حرية الاختيار، بل بلاد تحارب الحجاب، والتشريعات الغربية التي تحظر لبس الحجاب في الجامعات وأماكن العمل والأماكن العامة معلنة وليست مخبأة، ما يجعل حرب الحجاب حرب هويات، وليست حرب حريات. وهذا يجد تاريخه في وقائع الاحتلال الغربي لبلاد الشرق والمعارك التي خاضها ابناء الشرق دفاعاً عن الهوية وكان الحجاب عنوانها، كما يقول تاريخ الثورة الجزائريّة على سبيل المثال.
الحقيقة الثانية هي أنه عند كل مفصل تاريخيّ في علاقة الغرب بالشرق تتحوّل حوادث قابلة لتكون عادية الى شرارة لأحداث أكبر سرعان ما يظهر أنه كان مستحيلاً قيامها وتظهيرها وتضخيمها دون أياد أجنبية، وفرت الدعم اللوجستي والتمويل والتعميم الإعلامي. والحدث الذي شهدته إيران عند إحدى عمليات التوقيف اذا قبلنا الرواية المعادية لإيران التي تقول إن الوفاة نتجت عن سوء معاملة الشرطة للموقوفة، هو حادث متكرّر بالعشرات في بلاد الغرب، وإن تحويل قضية الحجاب عنواناً لما تبع الحادث من تحرّكات، لا يتصل بموضوع التوقيف بقدر اتصاله بعنوان يمكن له جذب حركة احتجاجية لها فرص الحضور وتنسجم مع الاستثمار الغربي الثقافي على عنوان حرب الهويات ودمجه بحرب الحريات.
تصوير الأمر أنه مدخل لتغيير في إيران، أكثر من مبالغة، فهو سخافة، لأن ما تشهده إيران من احتجاجات لا يمكن ان يقارن بما شهدته عام 2008 والحركة الخضراء، ورغم قوة تلك الحركة وامتداداها وإطارها السياسي ووجود زعامات وازنة على رأسها، لم تغير شيئاً في إيران، التي أعادت قيادتها الإمساك بزمام المبادرة، ومنعت أي تأثير لتلك الحركة على كيفية مقاربة إيران لملفات الصراع مع الغرب.
الإثارة الجارية من بعض اللبنانيين لما يجري في إيران والنفخ فيه ومنحه معاني وأبعاداً لا يحتويها، هو مجرد تعبير عن حجم الحقد الذي يحمله أصحاب الإثارة على ما ترمز إليه إيران بموقفها من المقاومة، بدليل أن عنوان الالتزام بالقواعد الدينيّة للزي على النساء كان محور أحداث في دول مثل السعودية وأفغانستان لم تنل من هؤلاء كلمة واحدة، تماماً مثل مزاعم النسوية التي حاولت الإعلاميّة في شبكة «سي ان ان» كريستيان أمانبور عندما رفضت وضع الحجاب كشرط معلوم مسبقا للقائها بالرئيس الإيراني، وفضلت إثارة هوليوودية على إجراء اللقاء، بينما لبست الحجاب قبل شهور قليلة في 19 ايار2022 خلال لقائها مع سراج الدين حقاني وزير الداخلية في حكومة طالبان.
2022-09-24 | عدد القراءات 1082