العدالة اللبنانية
كتب ناصر قنديل
- العدالة كمفهوم قانوني مناط بسلطة مرجعية مستقلة ذات مؤهلات علمية وأهلية أخلاقية لا علاقة
لها بارضاء الضحايا او ذوي الضحايا ، بمقدار بعدها عن ارضاء اهل السلطة واسترضائهم ،
وعندما تتصدى العدالة لقضايا جرمية من العيار الذي يواجهه القضاء في لبنان ، تهتم أولا
بكشف المسؤول والمستفيد والمشاركين ، لا بمعاقبة الخصوم والانتقام منهم كتعويض عن
خسارة الضحايا وذويهم ، لأن ذلك تضييع للعدالة وارتكاب لجريمة أخرى .
- على الأقل منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، واللبنانيون على موعد مع جولات تتكرر تحت
عنوان العدالة لا علاقة لها بكشف الحقيقة واقامة العدل ، بل بتركيب آلية ملاحقة للجريمة
تستهدف خصوم ذوي الضحية ، وخلق المناخات السياسية والقانونية للإنتقام منهم ، واعتبار
ذلك تعويضا لخسارة ذوي الضحية ، فالتحقيق الدولي والمحكمة الدولية لم يكونا طلبا لحقيقة
وعدالة ، بل لسلطة قانونية عدائية ضد سورية وحزب الله ، تستطيع الذهاب بعيدا في عملية
الانتقام .
- مع أحداث 17 تشرين قبل عامين ، وشعار ملاحقة الفساد ومحاكمة المسؤولين عن الإنهيار ، تم
التهرب القضائي من أي ملاحقة لمن لهم صلة بالانهيار، وبغض النظر عن الملاحظات التي
يسجلها البعض على القاضية غادة عون ، فالجميع يعرف انها تلاحق وتم اقصاؤها لأنها تجرأت
ومست بالمحرم والمقدس ، وهو حاكم مصرف لبنان ، بينما لا مشكلة بملاحقة وزراء ونواب ،
وإن لم يكن قانونيا ، ففي الأماكن العامة والمطاعم بنوع من عدالة شعبية غب الطلب ، تعتبر
السباب والشتائم وأحيانا العنف الجسدي نوعا من الانتقام الذي يشفي غليل الصدور الغاضبة ،
ويوحي بالانتصار .
- في قضية انفجار مرفأ بيروت ، لم نعرف بعد مرور سنتين من جاء بالنترات ولا من سمح
بإدخالها وتخزينها ومن رفض إزالتها ، فالمسار القضائي يسير بدقة وفقا لما هو مرسوم لفعل
ذات الشيء ، الانتقام من الخصوم .
- في قضية المودعين يصفق المودعون الذين يعرفون أن ما يناله أي مودع بالقوة سيؤدي إلى
تضاؤل فرص حصوله على وديعته الضائعة ، وان التصفيق لما يجري يشبه التصفيق لمن
يتجاوز طابور الانتظار أمام فرن الخبز ، ويخرج محملا بما يطلب من الخبز الممنوع عن
المنتظرين ، لكن التصفيق هو لعدالة الانتقام من الخصوم وليس للعدالة ، ولذلك لم يقم أحد من
الذين اقتحموا مصرفا بدعوة زملائه المودعين لمشاركته الاعتصام في المصارف حتى يتم
التوصل لحل يقيم العدالة .
- العدالة الانتقائية ليست عدالة ، والعدالة الجزئية ليست عدالة ، والعدالة المتأخرة ليست عدالة ،
والعدالة الانتقامية ليست عدالة ، وفي لبنان بعض من كل هذا ، إلا العدالة الشاملة غائبة ومغيبة
2022-09-26 | عدد القراءات 976