كتب المحرّر السياسيّ
رغم المناخات التصعيديّة التي لا تزال تبدو مسيطرة على الملفات المتفجّرة دولياً وإقليمياً، برزت ملامح توحي بأفق انفراجات تنطلق من إدراك خطورة المضي في التصعيد بلا سقوف، خصوصاً أن الأميركي الذي يبدو صاحب القرار بالتهدئة والتصعيد، لا يقف مباشرة على خطوط المواجهة، فأوروبا التي تدفع ثمن حربه في أوكرانيا بدأت تنتج ما لا يطمئن سياسياً، مع ما أظهرته الانتخابات الإيطاليّة، التي لا يزال احتواؤها ممكناً، لكن انفجار أزمات الطاقة خلال الخريف في دول أوروبية كألمانيا وفرنسا قد ينتج ما يخرج عن السيطرة، كذلك بالنسبة للتطورات العسكرية في أوكرانيا والكيفية التي ستتعامل من خلالها موسكو مع إمداد الجيش الأوكراني بسلاح نوعيّ ومعلومات استخبارية ومنظومات قيادة وسيطرة، بحيث تتحوّل الحرب كما يراها الروس حرباً أميركيّة بالدم الأوكراني، ما يضع فرضيات الاستخدام الروسيّ للسلاح النووي محتملاً بقوة، أما في الملف النووي الإيراني فالأميركيون لا يخفون قلقهم من أن الأسابيع الفاصلة عن نهاية العام هي آخر فرصة لتفادي بلوغ إيران ما يسمّونه بالعتبة النووية الحرجة، لذلك سجلت مصادر متابعة للوضعين الدولي والإقليمي، خصوصاً في ملفي الحرب الأوكرانية والملف النووي الإيراني، تطوّرات إيجابية تفتح طريق الانفراج، سواء عبر ما كشفه الكرملين من اتصالات بين موسكو واشنطن محورها تبريد التوتر النووي عبر قواعد اشتباك جديدة يتمّ وضعها تضمن التزامات أميركيّة في حجم ونوع الدعم الذي تقدّمه لأوكرانيا، مقابل التزام روسيّ بتحييد السلاح النوويّ عن الحرب، أو عبر ما برز من إيجابيات في اجتماعات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتصاعد احتمالات التوصل الى اتفاق بين الوكالة وايران، سواء حول القضايا العالقة، أو حول العودة لمستوى من التعاون يمهّد الطريق للعودة الى الاتفاق النووي.
تخفيض التوتر لمنع الانفجار يبدو حال لبنان أيضاً، حيث مؤشرات التفاؤل التي يشار إليها سواء عبر إقرار الموازنة العامة، بدلاً من اعتماد القاعدة الاثنتي عشرية، حيث الموازنة مقدّمة لموازنة أكثر واقعيّة واقتراباً من خطة نهوض مأمولة، والقاعدة الاثنتي عشرية إعلان مضيّ في الأزمة نحو الانهيار، ومثل الموازنة حكومة الحد الأدنى أفضل من لا حكومة، الى أن يظهر مسار ترسيم الحدود البحرية منسوب التفاؤل الذي يمكن للبنانيين توقعه، بانتظار أن تقول انتخابات رئاسة الجمهورية الكلمة الفصل في رسم مسار التطورات للعام المقبل.
في الشأن الرئاسي قالت مصادر تابعت التصويت على الموازنة، وتوقعت أن تنال الحكومة الجديدة المتوقعة تصويتاً مشابهاً في نيل الثقة، أن التصويت كان سياسياً بامتياز، رغم بعض الاستثناءات الفردية التي لن يكون لها مكان في الانتخابات الرئاسية، فقد أظهر التصويت أن هناك توافقاً عابراً لجبهتي الانتخابات المتقابلتين، يضم قرابة الـ 75 نائباً، نواته تحالف ثنائي حركة أمل وحزب الله، ومعه من جهة التيار الوطني الحر ومن جهة موازية التكتل الديمقراطي وتكتل النواب المستقلين، وجوهر ما يتفق عليه هؤلاء النواب هو رفض الفراغ الرئاسي وتعطيل النصاب، وأن لبنان لا يحتمل ترف الفراغ لتمرير رئيس يمثل طموحات فريق، وأن البحث عن رئيس يشكل جامعاً مشتركاً بين هذه الكتل هو الطريق الآمن في مقاربة الاستحقاق الرئاسي. وتعتقد المصادر أن حديث رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن التواضع في مقاربة الاستحقاق نابع من هذه الحقيقة، التي يمثلها تبلور هذا التحالف العريض القادر على ضمان نصاب الثلثين وانتخاب بالنصف زائداً واحداً، ولذلك يمكن فهم سبب حصر جعجع معياره الرئاسيّ بالرضا السعودي.
2022-09-27 | عدد القراءات 1022