ناصر قنديل
– من الواضح أن خطة الفريق المعارض للمقاومة، في إدارة التصويت في جلسة الانتخاب الرئاسيّ انطلقت من التسليم بما تقوله الأرقام والوقائع بأن لا إمكانية لهذا الفريق بأن يوصل رئيس للجمهورية يعبّر عن سياساته، خلافاً للمزاعم التي يطلقها الزعماء السياسيون المحليون المناوئون للمقاومة عن امتلاك أغلبية كافية لانتخاب رئيس للجمهورية من كنفهم، فتمّ توزيع الأدوار بين السفراء في الحركة على الكتل التي يمكن التأثير على خياراتها، بين جذب ولو مؤقت لكتلتي اللقاء الديمقراطي والكتائب إلى خيار التصويت لمرشح تصادمي هو ميشال معوّض، لإضافة 12 نائباً الى النواة الصلبة التصادمية التي تمثلها القوات اللبنانية ومؤيدي معوض الذين يمثلون 28 صوتاً، بينما تمّ التحرك على النواب الـ 13 بسقف منخفض يحفظ وحدتهم المهددة بالتشظي إذا تمسك بعضهم بمرشح تصادمي مثل معوّض أو ما يعادله. وظهر من أسماء المرشحين الذين بينهم سليم ادة وزياد بارود أن فكرة المرشح التوافقي هي التي يُراد تظهيرها، لأن تشقق هذه الكتلة سيمنح الخيار التصادميّ 7 اصوات لا تفيد في تغيير موازين القوى، بينما وحدتهم ستحجز الـ 6 نواب الآخرين من فرضية الذهاب إلى خيارات أخرى. وبالتوازي انخفض السقف أكثر في التصويت لشعار “لبنان” من 12 نائباً التزم منهم 10، بجمع 6 يمكن الضغط عليهم ولكن بصعوبة لصالح الخيار التصادميّ، لكن بما يؤدي الى دفع الـ 4 الآخرين الى ما يمكن وصفه بالخيار المقابل، والحصيلة هي السعي لتظهير المعادلة، بأن لا فرص لمرشحي التصادم والحل بمرشح توافقيّ بديل للمرشحين التصادميين.
– هذه الخطة تبدو وقد قرئت جيداً من الطرف المقابل، فجاء الجواب بالورقة البيضاء، ابتداء من المرشح سليمان فرنجية نفسه، الذي غاب اسمه عن أوراق التصويت في جلسة الانتخاب، وصولاً الى سائر الحلفاء بمن فيهم التيار الوطني الحر، رغم الخلافات التي لم يتم تذليلها من طريق التوافق على اسم فرنجية، فضمنت الورقة البيضاء ضياع فرصة الخصوم بالقول بعد الجلسة، أمامنا مرشح تصادميّ يقابله مرشح تصادميّ آخر وهذا يعني انسداد الفرصة امام انتخاب رئيس فتعالوا نتحدث عن مرشح ثالث، كما قيل يوم كان المجلس النيابي ينقسم قبل سنوات بين اسمي المرشحين ميشال عون وسمير جعجع، ولهذا اضطر أغلب الفريق الذي رشح معوّض وسليم ادة ولبنان، الى الاكتفاء بالقول إن نتائج الجلسة الانتخابية تؤكد الحاجة الى مرشح توافقي كما قال رئيس حزب الكتائب سامي الجميل والنواب الـ 13 ونواب “لبنان”، وسبقهم الحزب التقدمي الاشتراكي إلى قول ذلك، لكن دون القدرة على الإشارة الى أن هناك مرشحين تصادميين يجب سحبهما بالتوازي.
– فكرة المرشح التوافقي تنال 40 صوتاً منهم 3 صوّتوا بورقة بيضاء هم نواب صيدا، لكن لا قيمة لها إذا اضيفت الى 28 صوتاً يقفون وراء المرشح التصادمي ميشال معوض أو ما يعادله تحت مسمّى المرشح التوافقي، لأنها لا تكفي لتأمين النصاب، بينما يمكن لهذه الأصوات أن تنتج رئيساً إذا اضيفت الى الأصوات الـ 60، الذين يمثلون الورقة البيضاء من تحالف 8 آذار والتيار الوطني الحر. والمعركة السياسية تدور حول تكرار محاولة تقديم المرشح سليمان فرنجية كمرشح تصادميّ، كي تستقيم الدعوة لسحب المرشحين التصادميين والبحث عن مرشح توافقيّ، وبالمقابل محاولة مؤيدي ترشيح فرنجية في تقديمه كمرشح توافقي بعدما نجح التصويت بالورقة البيضاء بتجنب الفخ الذي رسمته خطة التصويت المناوئة وتوزيع أوراقها في جلسة الانتخاب.
– بقاء اسم فرنجية خارج لغة التصادم يبقيه مشروعاً مفترضاً لخوض معركة الفوز بلقب المرشح التوافقيّ، ومن حق الذين يتبنّون فكرة المرشح التوافقي من الضفة المقابلة، أن يسألوا كيف يكون توافقياً، ومن واجب الذي يؤيدونه أن يمتلكوا الأجوبة، وأول الأجوبة أن المرشح التوافقي هو ليس المرشح الذي لا لون ولا طعم ولا رائحة له، يميل كما مالت الريح كما فعل رؤساء سبق وقدّموا كتوافقيين، ودفع لبنان ثمن ولايتهم الرئاسية فشلاً وتأسيساً للانهيار. الرئيس التوافقي هو الرئيس الذي يمتلك الإرادة والقدرة والمصداقية، وهي شروط يجب التدقيق في معنى كل مفردة منها ملياً، والتدقيق بأنه قد تمّ اختبارها، الإرادة والقدرة والمصداقية على طمأنة المختلفين معه بأنه لن يستخدم وصوله الى الرئاسة لترجيح كفة حلفائه على الخصوم، بل سيكون، وربما للمرة الأولى في الرئاسة مديراً للحوار الوطني الصادق، ويكون، وربما للمرة الأولى أيضاً، مديراً لتطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده غير المطبقة، وجسر التلاقي بين المختلفين في الداخل بمن فيهم الخصوم مع الحلفاء، وبين كل الخارج وكل الداخل اللذين لا جسور بينهما، ويدفع لبنان ثمن انقطاع هذه الجسور، والأهم أنه لا يأتي الى الرئاسة كي تخرج بطانته وقد جمعت المناصب والأموال، بينما لبنان ينهار، وعود لا قيمة لها ما لم ترتبط بمهابة لصاحبها تتيح ضمان تحقيقها مع الحلفاء، وفروسية تضمن عدم التهرّب من استحقاقاتها أو الانقلاب عليها عند الفوز، وتاريخ من الترفع والوفاء بما يمنح الكلام معنى وقيمة. وهذه كلها صفات موجودة في شخصيّة سليمان فرنجية، ويصعب الحديث بثقة بوجودها عند من لم يتم اختبار وجودها عنده. وبغيابها عن كثيرين يصبح الحديث عن المرشح التوافقي بصفته بلا اصطفاف أي بلا مواقف، حديثاً عن “خيال الصحرا”، وهو كناية عن مجسم خشبي يضعه المزارعون في حقولهم ويلبسونه من ثيابهم القديمة، ما يكفي للإيحاء للحيوانات البرية أن رجلا يقف في قلب الحقل أملاً بدفع هذه الحيوانات للهروب، وغالباً ما تكتشف الحيوانات البريّة خصوصاً الثعالب هويته المزعومة، ويأتي الفلاحون صباحاً ويكتشفون أن هيكلهم الخشبيّ قد أطيح به أرضاً ويجدون الثياب قد نهشت.
2022-10-01 | عدد القراءات 1115