قرار أوبك بلاس تخفيض الإنتاج

قرار أوبك بلاس تخفيض الإنتاج

لا نحتاج إلى تحليل مدى الانزعاج الأميركي والغربي من القرار الصادر عن منظمة أوبك بلاس، التي تضمّ أوبك التي تتربع السعودية على عرش الدولة الأولى فيها، ومجموعة الدول المنتجة من خارج أوبك التي تتقدّمها روسيا، والقرار ينص على تخفيض الإنتاج العالمي بمليوني برميل يومياً انطلاقاً من الشهر المقبل، والتعليقات الأميركية التي اعتبرت القرار تحدياً لواشنطن صدرت من الرئيس الأميركي جو بايدن شخصياً، وتبعه بتعبيرات الغضب سائر أركان إدارته.

القرار لا يمكن فصله عن المشهد الحربي الذي يسود العالم، وتصطف فيه روسيا ودول الغرب في ضفتين متقابلتين، وتشكل موارد الطاقة إحدى ساحات هذه الحرب، سواء حيث سعت العقوبات الغربية على روسيا إلى تجفيف مواردها المالية وضرب عملتها، بينما نجحت روسيا بربط مبيعاتها من الغاز والنفط بالروبل بإفشال الخطة الغربية، ما أطلق حرباً عنوانها استغناء أوروبا عن موارد الطاقة الروسية، ومحاصرة روسيا كمصدر رئيسي للطاقة في العالم، وظهور مصطلح سقف السعر لمبيعات روسيا من الغاز والنفط.

من وجهة نظر الغرب يأتي قرار أوبك بلاس ليصب الماء في طاحونة روسيا وتعزيز موقعها القيادي في أسواق النفط العالمية، خصوصاً أنه يسهم في تعزيز الطلب على هذه الموارد الروسية وغير الروسية عبر رفض الاستجابة لدعوات إغراق الأسواق العالمية بعروض تفوق حجم الطلب، كي لا يتأثر سعر المبيعات بخطة الحصار التي تستهدف مبيعات روسيا من النفط والغاز.

من وجهة نظر روسيا، أن ما يجري على المسرح الدولي من مواجهات سياسية وعسكرية تلعب روسيا فيها دوراً محورياً، خلق وضعاً جديداً، أضعف القبضة الأميركية والغربية على دول العالم ومنها دول أوبك، حيث صار التوازن عنوان توجهات الكثير من الدول، بعدم الوقوع في الانصياع الأعمى للعبة المحاور. وطبيعي أن يشعر الغرب وتشعر أميركا بأن هذا التوازن في سياسات الدول موجهاً ضدهما، لأن قبضة الهيمنة التي تسيطر على قرارات الدول ومنها دول أساسية في أوبك، هي قبضة غربية وأميركية.

من وجهة نظر الكثيرين من الذين يتابعون المشهد السياسي الدولي، ومشهد أسواق الطاقة خصوصاً، ما جرى في أوبك بلاس هو تعبير عن ترجيح كفة نظام المصلحة على حساب نظام الولاء، بالنسبة لدول كثيرة في العالم، خصوصاً في سوق الطاقة، المنتجين والمستهلكين، ونظام المصلحة يضع الدول المنتجة في سلة واحدة مع روسيا كمنتج بائع كبير في السوق، يضمن التنسيق معه مزيداً من الانضباط في السوق من جهة، وتسعيراً تراه دول أوبك منصفاً، وقد لا يراه المستهلكون وفي مقدمتهم دول الغرب كذلك. ونظام المصلحة يضع الدول المستهلكة في غالبها خارج الانضباط بالمسعى الغربي والأميركي لوضع سقف لتسعير مشتريات النفط والغاز من روسيا، طالما أن روسيا تمتنع عن بيع النفط والغاز لكل من يلتزم بالسقوف الاميركية.

لا تزال واشنطن ووراءها الغرب في عالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وما قبل صعود روسيا والصين، يعتقدون ان من الممكن مواصلة سياسات الضبط والسيطرة على حلفاء الأمس، الذين شيئاً فشيئاً سيخرج الكثيرون منهم عن نظام الطاعة، انطلاقاً من نظام المصلحة، فيما تنفتح روسيا والصين على علاقات دولية لا مطالب انحيازات سياسية فيها، بل تشجيع على اعتماد نظام المصلحة فقط، كما تقول العلاقات مع تركيا العضو في الناتو، ومع السعودية الحليف الرئيسي لواشنطن والشريك الرئيسي لروسيا في سوق المنتجين، والشريك الرئيسي للصين في سوق المتاجرة، ومع باكستان إحدى الركائز التقليدية للسياسات الأميركية في آسيا، والتي أصبحت ساحة الاستثمار البارزة للصين في خطة الحزام والطريق، وشريكاً في حقل الطاقة لإيران، ولعل الهند مثال أوضح في ابتعادها عن واشنطن والغرب وقد أصبحت تعتمد على النفط والغاز من روسيا، حيث السداد بالعملة الوطنية ضمان كبير لمنع التضخم.

يولد العالم الجديد بقواعد علاقات جديدة، بالتدريج، وهو ينزلق من القبضتين الأميركية والغربية، فيما يبدو للبعض أنه نوع من العجائب.

2022-10-07 | عدد القراءات 1037