ماذا يريد المشككون ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- بما هو أبعد من مجرد الحق الديمقراطي في الاختلاف ، يشكل النقاش الوطني حول الموقف من قضايا مصيرية بحجم مصير ثروات النفط والغاز وترسيم الحدود وجها من وجوه المشاركة في رسم الموقف الوطني ، وتحديد نصاب التوازنات التي تصنعه ، وتمثل الإنتقادات التي تطال أداء السلطات المعنية أداة تصويب وتوازن ، فهي تخلق معادلة في الرأي العام تلزم السلطات بأخذها جديا في الاعتبار فتصوب ، وهي تنتج معدلة اعتراض يقرأ العدو معنى وجودها فيدرك أن من يقف قبالته على ضفة التفاوض ليس طليق اليدين بل وراءه معارضة قوية لا يستطيع تجاهلها ، ومن يدرس توزع الجبهات الإسرائيلية الموالية والمعارضة سيكتشف هذا النوع من الأداء ، فسرعان ما انتبه بنيامين نتنياهو الى ضرورة رسم سقف لاعتراضه على سياسات الحكومة لا يقدم خدمة للموقف اللبناني ، فتموضع تحت راية تثبيت موقف الحكومة برفض التعديلات اللبنانية ، وتجاهل ما تضمنه النص الأصلي من حسم لمصير الخط 23 وحقل قانا لصالح لبنان .
- في لبنان تنوع وتعدد في مصادر المعارضة والمعترضين على مفاوضات الترسيم وإدارتها ونتائجها ، لكنهم من مواقعهم المتعددة والمتناقضة ، خصوصا في نظرتها لدور المقاومة ، يلتقون عند نقطة شكلت لازمة متكررة في مواقفهم جميعا ، جوهرها الدعوة لتوقيع مرسوم تعديل الخط الحدودي المعتمد لصالح اعتماد الخط 29 ، وإيداعه لدى الأمم المتحدة ، لدرجة بات على المرء أن يتساءل عن ماهية هذا الحل السحري ، الذي يشكل بشحطة قلم تعديلا في موازين قوى تكاد التباينات حول فهمها تحتاج حربا لحسم وجهتها ، فمن يقول ان السلطات قامت بالتفريط ، ومن يقول ان التفاوض بلا جدوى ، ومن يقول ان لا حاجة لدور المقاومة ، ومن يقول ان التبعية العمياء للأميركي وراء المسار التفاوضي ، يلتقون عند خاتمة واحدة مشتركة رغم تبايناتهم ، عنوانها اذهبوا إلى توقيع مرسوم تعديل الخط المعتمد للحدود البحري بوضع الخط 29 بدلا من الخط 23 .
- سنفترض أن هذا حصل غدا ، وخرج لبنان على أساسه من المفاوضات ، هل يستطيع أحد أن يخبرنا ماذا يتوقع في اليوم التالي ، وماذا يمكن أن تكون السيناريوهات ، هل يتوقعون مثلا ان ينعقد مجلس الأمن الدولي في جلسة طارئة ، لبحث توقيع لبنان لمرسوم التعديل ، أم ماذا ، و لنفهم ما سيجري ، فلنتذكر أن لبنان عام 2011 فعل شيئا شبيها لجهة ما يزعج "إسرائيل" التي كانت مرتاحة لاعتماد لبنان النقطة 1 في ترسيم حدوده مع قبرص وازعجها وضع الخط 23 بديلا عن الخط الذي رسمته استنادا إلى النقطة 1 ، فماذا حدث عندما وضع لبنان مرسوم الخط 23 أساسا لرسم حدوده وأودعه لدى الأمم المتحدة ، ما حدث هو أن الوسطاء الأميركيين صاروا يتفقدون لبنان كل سنة مرة ، ووضعوا اطارا للتفاوض هو خط فريديريك هوف الذي يضمن لإسرائيل سيطرة كاملة على الحقلين الوحيدين الكبيرين في الساحل ، قانا وكاريش ، وصاروا يتفقدون لبنان الذي اغلق الحصار عليه ، هل نضج لقبول الشروط أم لا ، بينما مضت "غسرائيل طيلة هذه السنوات العشر في التنقيب والتحضير للاستخراج ، الذي لم يكن بمقدوور لبنان فعله لأن الشركات العالمية تقف في الضفة الاسرائيلية دون اشتراط الترسيم ، وتشرطه في الضفة اللبنانية ، فلماذا نتوقع شيئا مختلفا اذا كان الخط المعتمد هو 29 بدل ال23 ؟
- توقع نتيجة مختلفة يستدعي إضافة عناصر أخرى غير توقيع المرسوم بالتعديل وإيداعه ، مثل الاستعداد لفسخ العقود مع الشركات الغربية والتوجه نحو شركات شرقية مستعدة ، وربما لا تكون غير الشركات الايرانية مستعدة اليوم للقيام بالحفر والتنقيب والاستخراج دون الموافقة الأميركية ، فهل هذا ما يقترحه المعترضون المشككون ، والشيء الثاني الذي بدونه لن يلتفت الغرب ولن تعطي "إسرائيل" بالا لما يقوله أو يفعله لبنان ، هو الاستنجاد بالمقاومة لتضع فائض قوتها في الميزان وفق معادلة منع الاستخراج حتى ينال لبنان مطالبه ، سواء كانت الخط 23 أو الخط 29 ، وهذا ما يحدث اليوم ، لكنهم بمن فيهم من يفترض أنهم مؤيدون للمقاومة لا يرون القضية بحجم تأثير حضورها بقدر ما يعطون للمرسوم وتعديل الخط أهمية ، فكيف بالذين لا يرون للمقاومة دروا ولا أهمية ؟
- الفارق بين نتنياهو كمعارض لحكومته ، وبين المعارضين و المشككين في لبنان ، أن نتنياهو أعاد ضبط خطابه تحت سقف المصلحة الاسرائيلية العليا ، ويوظف معارضته لتحسين شروط التفاوض ، بينما لا يأبه المشككون في لبنان فيما إذا كان خطابهم يقدم خدمات مجانية للعدو ، بل يروج بعضه رواية حرب إسرائيلية يعرف أصحابها ما يعرفه قادة جيش الاحتلال ، أنها فوق طاقة جيش الإحتلال ، فيما يكفي مجرد تدقيق في المشهد لإدراك حقيقة أن النقاش الإسرائيلي مهما حاول اصحابه التصعيد ، قد ثبت ما كسبه لبنان خارج النقاش ، أي الخط 23 وحقل قانا ، وأن لبنان يات يملك وثيقة أميركية تؤكد هذه الحقوق ، وبالمقابل ان لبنان حافظ على وضعية حقل كاريش منطقة متنازع عليها طالما لم يتم توقيع الاتفاق النهائي ، بما يمنح المقاومة شرعية استهدافه ما لم يتم ربط الاستخراج منه بتلبية مطالب لبنان .
2022-10-08 | عدد القراءات 1144