بعد لبنان والعراق…متى يبدأ الأميركيون الاستدارة في سورية ؟ التعليق السياسي - كتب ناصر قنديل

بعد لبنان والعراق…متى يبدأ الأميركيون الاستدارة في سورية ؟

التعليق السياسي - كتب ناصر قنديل

- مشهدان يحيطان بسورية كانت اليد الأميركية حاضرة فيهما ، في لبنان تسليم إسرائيلي بلسان أميركي بالمطالب اللبنانية في حقول النفط والغاز ، أقرب الى الهزيمة الإسرائيلية الكاملة ، وفقا لآراء أميركية وإسرائيلية رافقت الملف لسنوات ، وفي العراق إجماع نيابي ينتج خروجا من استعصاء لسنة كاملة ويسفر عن انتخاب رئيس للجمهورية وتسمية رئيس للحكومة ، والملفت أن رئيس الحكومة كشخصية أولى في النظام السياسي العراقي هو مرشح اللقاء التنسيقي الذي يضم قوى المقاومة ، والإجماع النيابي الذي شارك فيه الذين يلوذون بالفلك الأميركي ، أحبط رهانات وخطط التيار الصدري الذي بدأ أن حراكه يخدم الفوضى كهدف مدعوم أمريكيا خلال السنة الماضية ، ووفقا لمدرسة السياسة الخارجية الأميركية يستحيل عدم ربط الحدثين اللبناني والعراقي باستراتيجية أميركية عنوانها التخلي عن المواجهة لصالح البحث عن التسويات مع قوى المقاومة ، وإذا كان الأساس في اعتماد الاستراتيجية الجديدة هو ما يشهده العالم من متغيرات ، خصوصا الحرب في أوكرانيا ، والعجز عن تحمل حرب جديدة تشعل الشرق الأوسط ، والقناعة بأن ميزان القوى الإقليمي بات مختلا لصالح قوى المقاومة ، وأن معسكر حلفاء أميركا التقليدي تصيبه الهزات ، مع مواقف جديدة للسعودية وتركيا ، وتراجع القوة الإسرائيلية وتورطها بحرب استنزاف مفتوحة في فلسطين ، يصبح منطقيا وفقا لهذه المدرسة القول بأنه يستحيل أن تشمل الاستراتيجية الجديدة لبنان والعراق ولا تشمل سورية ، التي كانت مركز المواجهة الأميركية مع قوى المقاومة ، والتي ينخرط الأميركي فيها مباشرة دون غطاء من الدولة السورية ، كقوة احتلال أجنبي معرض لمواجهة تبعات وتداعيات يمكن تجنب مثلها في لبنان والعراق .

- الأميركي يحتل أراض سورية ، وينهب ثروات النفط السورية ، ويوفر الرعاية والحماية للمشروع التقسيمي الذي تقوده منظمة قسد شمال شرق سورية ، ويلعب بورقة التنظيمات الإرهابية صعودا وهبوطا ، وخصوصا تشكيلات داعش بين شرق الفرات والبادية ،  ويفرض أشد أنواع الحصار الإقتصادي والمالي قسوة على الشعب السوري عبر العقوبات التي يتضمنها قانون قيصر ، ويضع ثقله لمنع عودة النازحين السوريين الى بلادهم عبر ضغوطه لمنع تقديم المساعدات الأممية للنازحين عند عودتهم الى سورية ، ويفرض على مصر الوقوف بوجه كل دعوة عربية لطي الصفحة السوداء في التعامل مع سورية منذ الحرب الأميركية عليها ، بعدما تحقق شبه اجماع على دعوتها لحضور قمة الجزائر ، وإذا قمنا بتفكيك هذه المحاور السبعة للحرب الأميركية الناعمة ضد سورية ، سنجد أن بعضها لا تقيم له سورية حسابا وبعضها تملك أدوات التعامل معه ، وأن بعضها تسقط بسقوط بعض آخر تلقائيا ، وأن الأمر ينحصر بمحورين ، الإحتلال العسكري ، الذي يزاوله يسقط الكانتون الانفصالي ويضعف الإرهاب ، ويتوقف نهب النفط ، والعقوبات التي برفعها ينفرج الإقتصاد السوري ، ويتحسن سعر صرف الليرة السورية ، وتزول العقبات أمام عودة النازحين ، ويتغير بقدرة قادر بعض الموقف العربي الذي لا يزال يقيم حسابا يتجاوز حدود القدرة الواقعية للتدخل الأميركي .

- عمليا يتوهم الأميركيون أن وقتهم معهم ، وأنهم يستطيعون التعامل مع المنطقة بالمفرق ، وربما ينتبهون أو لا ينتبهون الى أن سورية قد تتحول بسرعة إلى ساحة رديفة للحرب الدائرة بينهم وبين روسيا في أوكرانيا ، وأنه كما يواجه الروس أوكرانيين تدعمهم واشنطن تحت عنوان الدفاع عن السيادة ، لن يتأخر ظهور سوريين تدعمهم موسكو يحاربون الأميركيين طلبا للسيادة ، وربما ينتبهون أولا ينتبهون أن العشائر العربية في المنطقة الشرقية المتمسكة بهويتها الوطنية السورية ، ربما تجد في ذروة التأزم الأميركي السعودي ، دعما سعوديا لأي مواجهة تخوضها مع القوات الأميركية ، وربما ينتبهون أو لا ينتبهون إلى أن تركيا التي انتقلت من الوسط بين واشنطن وموسكو إلى الأقرب إلى موسكو وستنتقل تباعا أكثر وأكثر بدأت مفاوضات ، ولو على البارد و دون المستوى المتوقع ، لتموضع جديد لدورها في سورية سينتهي حكما بالانسحاب وفقا لدفتر الشروط السوري ، ولذلك ربما ينتبه الأميركيون أو لاينتبهون إلى أن احتلالهم بات عبئا عليهم ، وأن احدى أوراق القوة السورية هي مقايضة انسحاب أميركي آمن برفع العقوبات ، خلافا لما يفترضه بعض الأميركيين أو ما يصوره لهم بعض كتبة التقارير بأن بين أيديهم الإحتلال والعقوبات كورقتي قوة يقايضون انهاؤهما بمكاسب يطلبونها لعملائهم في مستقبل سورية .

- الواضح أن الدولة السورية التي تدير أوراق قوتها بذكاء ، وقد دعت لتشكيل مقاومة وطنية سورية في مواجهة الإحتلال الأميركي ، تمنح الوقت قبل تصعيد أعمال هذه المقاومة و بلوغها طريق اللارجعة ، لكن الوقت ليس طويلا أمام الأميركيين لإدراك أن الوقت يضيق والخيارات محدودة .

2022-10-17 | عدد القراءات 1001