مسدس العقوبات يتحول إلى لعبة روليت روسية في رأس الغرب
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- حتى عام 2010 حافظ الأميركيون على استراتيجية تعتمد القوة العسكرية كمحرك لسياساتهم الدولية ، ما بعد الحرب الباردة ، فكانت حرب يوغوسلافيا وحرب أفغانستان وحرب العراق ، وتلتها حرب تموز 2006 في لبنان التي بشرت عبرها وزيرة الخارجية الأميركية غونداليسا رايس بولادة شرق أوسط جديد ، وعندما بدأ الأميركيون يكتشفون محدودية قدرتهم العسكرية على صناعة السياسة ، وضعوا بديلا استراتيجيا تمثل بالحروب البديلة ، حيث الثورات الملونة والفتن والحروب الأهلية و توظيف الجماعات المتطرفة الدينية والقومية والعرقية ، رهانا على تحميل حروبهم عناوين قضايا تجد من يستعد للموت بدلا من جنودهم الذين ما عادوا مستعدين لدفع الدم ثمنا للنصر المفترض ، وخلال هاتين المرحلتين كانت العقوبات المالية أداة مساعدة للخطط العسكرية أو للثورات المبرمجة وحروب الوكالة .
- بعدما وصلت الثورات والحروب المبرمجة الى طريق مسدود في النسخة الأهم لإختبارها التي مثلتها الحرب على سورية ، خرجت نظرية أميركية تقول بأن العقوبات المالية والمصرفية تشكل وحدها أداة حرب كاملة ، تتكقل دون أكلاف بتحقيق كامل الأهداف ، وقدمت نماذج القدرة الفائقة للعقوبات من خلال الدور الذي لبعته في ضرب العملات الوطنية للدول المستهدفة ، وعبرها افقار شعوب وأمم وصولا للتجويع ، وحرمانها من الكثير من الضرورات الصحية والتقنية ، واستعان اصحاب هذه النظرية بنموذج الحرب على العراق للقول ، أن العراق سقط عسكريا أمام الجيوش الأميركية بفضل العقوبات ، حيث كانت العملية العسكرية عرضا ناريا ينقل على الهواء لتحقيق ما سمي بالصدمة والترويع .
- بالرغم من صمود إيران وسورية ولبنان أمام مسدس العقوبات الأميركية الموجه الى الرؤوس والقلوب ، بقيت الأرقام المرتبطة بانهيارات أسعار العملات الوطنية في هذه البلدان تمنح السياسات الأميركية الأمل بالنجاح ، حتى حدث هذا العام ما ليس في الحسبان ، فقد تزامنت تطورات كبرى على الساحة الدولية تربت عليها نتائج تقلب المسار الذي فتحت العقوبات الأمل بتحقيقه ، فمن جهة طورت قوى المقاومة قدراتها العسكرية ووجهة استخدامها ، فكانت حرب الغاز والنفط التي هدد حزب الله بخوضها، وحرب الممرات المائية التي هدد أنصار الله بخوضها ، تهديدا بتوجيه ضربات قاتلة للتدفق السلس لموارد الطاقة إلى الاقتصاد العالمي ، وبضرب خطوط الملاحة التجارية في المناطق الأشد حيوية من العالم التي يمثلها البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج ، بالتزامن مع اندلاع الحرب في أوكرانيا من جهة وتحول الصين إلى مستورد أول للطاقة في العالم ، وصاحبة أكبر اقتصاد منتج عالميا ، حيث وضع مسدس العقوبات المالية والمصرفية الأميركي والغربي على المحك .
- فجأة اكتشف الأميركيون أن حزمات العقوبات الغربية الشاملة المصممة لإسقاط الاقتصاد الروسي ، تصاب بفشل ذريع وفق المعيار الذي وضعه الأميركيون ، وهو سعر صرف العملة ، فللمرة الأولى تتمكن دولة مستهدفة بعقوبات هائلة دفعة واحدة أن تحمي سعر عملتها الوطنية في ظل العقوبات ، لا بل أن الروبل الروسي حقق تحسنا بعد العقوبات تجاوز ال50% من قيمته قبل العقوبات ، وتحولت تجارة روسيا في مجال الطاقة نحو الصين والهند بدلا من أوروبا ، ونشأت سوق عالمية آخذة في الاتساع لا تعتمد الدولار في تداولاتها ، سعيا لتفادي العقوبات بداية ، لكن للتحويل العقوبات الى سلاح مرتد الى رأس أميركا نفسها كما أظهر الإبتعاد عن الدولار كعملة تداول حصرية في سوق الطاقة ، وفي ذات التوقيت وجدت واشنطن نفسها أمام أزمة أوروبية تهدد بالإنهيار المالي والاقتصادي بفعل حرب الغاز الروسية ، بينما اضطرت في لبنان وسوف تضطر في اليمن ولاحقا في سورية وفي إيران ، الى دفع الفدية لتفادي ما تعلم أنه الأسوأ ، والفدية هي تعطيل كلي أو جزئي ، فوري او تدريجي لنظام العقوبات ، بمعزل عن النقاش حول اتفاق الغاز والنفط في لبنان ومستقبل اتفاق الهدنة في اليمن .
- بسرعة هائلة يبدأ النقاش في الغرب حول فعالية نظام العقوبات ، وحول كيفية تحول هذا المسدس الموثوق إلى لعبة روليت روسية يوجهها الغرب إلى رأسه ، ولا يعرف متى يحين وقت انطلاق الطلقة المفعلة لتنفجر في دماغه أو قلبه .
2022-10-18 | عدد القراءات 1092