استراتيجية الأمن القومي الأميركي بين الصين وروسيا نقاط على الحروف ناصر قنديل

استراتيجية الأمن القومي الأميركي بين الصين وروسيا 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- يمثل صدور وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي قبل أيام فرصة هامة لتفحص قدرة العقل الأميركي الحاكم على امتلاك رؤية لمواجهة التحديات التي تطرحها أحداث بحجم حرب أوكرانيا ومخاطر الحرب في تايوان ، خصوصا أن نتائج الوثيقة السابقة التي تضع الصين وروسيا كأعداء استراتيجيين تشكل المواجهة معهم كانت تسريع هذه المواجهة ، وبالتالي لا قيمة إضافية لإعادة تأكيد المؤكد باعتبارهما مصادر خطر على الأمن القومي الأميركي ، وهو ما يستهلك أغلب الوثيقة الجديدة ، التي كان متوقعا منها معالجة الأسئلة التي طرحتها المواجهة ، التي بدأتها الوثيقة السابقة .

- التحديات الجديدة غائبة عن الوثيقة كليا ، وجوهرها فشل سياسة العقوبات التي كانت محور رئيسي في الاستراتيجية السابقة ، وجاء الاختبار القاسي لها في مواجهة روسيا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا ، وكان الرهان على احتواء الصعود الأمني لدور روسيا بدفع اقتصادها الى الانهيار وجلبها ذليلة الى طاولة التفاوض ، وخاب الرجاء كليا مع نتائج عكسية للعقوبات تجسدت بتماسك روسي عبر عنه حسن سعر صرف الروبل من جهة ، وانتقال الأزمة المالية والاقتصادية إلى الضفة الغربية والأوروبية بشكل خاص ، وبفشل سياسة العقوبات التي يفترض أنها كانت ردعا يحقق التفوق في ظل تعادل الردع النووي ، خرجت أزمة الطاقة العالمية عن السيطرة ، وفشلت الاستراتيجية الأميركية للأمن القومي ، التي كررت طوال سنوات أنها تهدف الى ضمان تدفق موارد الطاقة بصورة سلسة .

- تهربت الاستراتيجية الجديدة من الإجابة عن سؤالين استراتيجيين ، الأول ما هو بديل سياسة العقوبات ، في ظل القرار المكرر بتجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا والصين ، وبقاء أولوية تفادي التصعيد النووي في المقدمة ، والسؤال الثاني ما هي الاستراتيجية الجديدة للرد على إخفاق استراتيجيات افترض العالم خلالها قدرة اميركية استثنائية على مواجهة تحديات أمن الطاقة ، وبغياب الجوابين المطلوبين ، تتحول العقوبات الى  فرصة للخصوم لتوسيع نطاق الجغرافيا والسكان الواقعين خارج نطاق منطقة الدولار ، كما تقول التبادلات التجارية الآسيوية على الأقل ، بين روسيا والصين وروسيا والهند والصين والسعودية وإيران وتركيا وروسيا وتركيا ، وبالتوازي تظهر سوق الطاقة خارج السيطرة ، سواء في ظل الأزمات الأوروبية المتصاعدة تحت ضغط انقطاع الغاز الروسي وصعوبة واكلاف البدائل ، أو في ظل تمرد أوبك وعلى رأسها السعودية على التوجهات الأميركية للتحكم بإنتاج النفط وفقا لحسابات السياسة ، ونشوء ظاهرة عنوانها حسابات مصالح المنتجين التي تجمع روسيا والسعودية .

- عمليا يملك الرئيس الروسي استراتيجية للأمن القومي في مواجهة الاستراتيجية الأميركية السابقة ، عبر دفع أوروبا للانفجار الاقتصادي والمالي والاضطراب الاجتماعي والسياسي ، وتحصين روسيا اقتصاديا وماليا وامنيا وسياسيا ، مقابل دفع الكتلة البشرية الأوكرانية نحو النزوح الى أوروبا تحت ضغط انقطاع الكهرباء وتوسيع نطاق القلق الأمني ، ولا تبدو واشنطن في استراتيجيتها الجديدة قادرة على امتلاك أجوبة على هذه التحديات ، وتهرب من البحث عن أجوبة مرة فتبقى بلا استراتيجية ،  بينما يقول المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني أن استعادة تايوان محسومة وان استخدام القوة لذلك على الطاولة ، وان على أميركا الاختيار بين الانضمام إلى الصين في معادلة الصين الواحدة بمبادرات تفاوضية تحت هذا العنوان لابقاء الخيار السلمي على الطاولة ، وفقا لتفاهم عام 1979 بين واشنطن وبكين بثنائية صين واحدة بالطرق السلمية ، او الانضمام الى القيادات الانفصالية في تايوان في خوض الحرب ، ولأن واشنطن تتهرب من كلتيهما فهي تبقى بلا استراتيجية .

- عمليا نحن أمام الإستراتيجية ، أو بالأحرى أمام استراتيجية التهرب من الأجوبة على الأسئلة الصعبة ، وانتظار النتائج السيئة المتوقعة للتذرع بها وتبرير انكفاء جديد ، كما كانت الاستراتيجية حول أفغانستان ، وكما تكشف الاستراتيجية الجديدة مقاربة مشاكل الدور الأميركي في الشرق الأوسط فتستعمل تعابير مطاطة بلا معنى ، لتخبئ وراءها الانكفاء ، مثل البحث عن الازدهار والمصالح المشتركة بين دول المنطقة ، وتخفيف التصعيد ، والانخراط في تفاهمات تعزز الأمن ، بما يوحي بتعميم ما جرى في التراجع أمام حزب الله في ملف النفط والغاز تفاديا للحرب على ملفات أخرى وساحات أخرى ، من العراق الى اليمن وصولا الى سورية وايران .

2022-10-22 | عدد القراءات 1072