حزب الله والطائف : سؤال جدي ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- طالما تباهى أغلب الأطراف السياسية المناوئة لحزب الله بتمسكهم بإتفاق الطائف ، وحاولوا تقديم الحزب كمصدر خطر على الإتفاق ، وسعوا لتحويل الطائف إلى متراس للمواجهة مع الحزب ، سواء عبر ما يوحي به الإتفاق من سلم أهلي ، أو من ثقة لدى أبناء الطائفة السنية بمكاسب سياسية ، أو ما يقوله للمسيحيين من ثبات القسمة الطائفية عند المناصفة وحفظ مناصب اساسية للمسيحيين ، رغم تبدل التوازنات العددية بين الطوائف ، لتحويل الإيحاء بالعداء بين الحزب والطائف إلى مدخل لاستثارة كل هؤلاء ضده ، فما هو التقييم الحقيقي لموقف الحزب من الطائف ؟
- تستند رواية العداء بين حزب الله والطائف إلى لعبة تجمع المنطق والخداع البصري والتأويل ، المنطق هو أن حزب الله لم يكن من المشاركين أو المباركين للطائف ، الذي ولد في سياق مشروع رعاية أميركية معادلات جديدة في المنطقة بعد حرب الخليج ومؤتمر مدريد ، لم يكن حزب الله ضمنها ، بل كان شديد الحذر تجاهها ، أما الخداع البصري فهو الانطلاق من الإيحاء الذي يحمله الإسم ، اي الطائف ، من رمزية لمرجعية سعودية ، توحي دون الحاجة للتدقيق بالعداء بينها وبين حزب الله ، من طرفي المعادلة ، ويبقى التأويل ، وهو الاستناد الى دعوة حزب الله الى مؤتمر تأسيسي للبحث في أزمة النظام التي يتحدث عنها الجميع ، وسحب الدعوة من التداول منعا لسوء فهمها كدعوة للخروج من اتفاق الطائف ، لأن الدعوة نفسها أشد التصاقا بالطائف من الدعوات التي تتلحف بالطائف لخوض حروب الصلاحيات بين رئاستي الجمهورية والحكومة ، لأن أي بحث في الطائف سيوصلنا إلى ثلاثة أركان ، ركن ميثاقي ، وركن سياسي ، وركن إقليمي ، فما هو الفرق بينها ، وأين يقف حزب الله وخصومه منها ؟
- يقوم الركن الميثاقي للطائف على استبدال صيغة حكم 1943 التي كانت تقول باعتماد الشراكة بين الطوائف في إنتاج مجلس نيابي ورئيس للجمهورية ، والاحتكام بعدها لممارسة سياسية يتولاها رئيس الجمهورية وقاعدة الأغلبية والأقلية في مجلس النواب ، بصيغة تعتبر التوافق شرطا مستمرا في ممارسة السلطة عبر نقل أغلب صلاحيات رئيس الجمهورية المقررة الى مجلس الوزراء مجتمعا ، وتوزيع صلاحياته الإدارية بينه وبين رئيس الحكومة ، وفي خدمة هذا التحول الميثاقي الذي يعقد ممارسة الحكم ، تم تثبيت المناصفة وصولا الى تخفيف قبضة الصيغة الطائفية لصالح مجلس نواب غير طائفي ومجلس للشيوخ ، وتحرير تدريجي لوظائف الدولة من التوزيع الطائفي ، وهنا يأتي دور الركن السياسي الذي تحول إلى نصوص دستورية حول الصلاحيات والإجراءات والعلاقة بين المؤسسات ، والركن الإقليمي الذي تكرس بالتفاهم السوري السعودي ورعايته لتشكيل مؤسسات الحكم .
- عندما ينتفض خصوم حزب الله أو بعض حلفائه ، مسيحيين ومسلمين ، على كل دعوة لاعتماد التوافق ، سواء في كيفية استيلاد رئيس للجمهورية ، أو في كيفية النظر لمفهوم الثلث الضامن في الحكومة كترجمة سياسية للصيغة التوافقية ، أو في الإجابة عن سؤال كيفية التوفيق بين طروحاتهم وتوفير التوافق اللازم لتحقيقها ، وينتهي خطابهم بالتعطيل ويتهمون الطائف بالمسؤولية عنه ، بينما سقوفهم الخاصة التي يصعب تحقيق التوافق عليها هي السبب ، يظهر بوضوح أن التمسك اللفظي بالطائف عند الكثيرين ، يقوم على السعي الدائم للإنقلاب على جوهره القائم على التوافقية كشرط ملازم للديمقراطية ، كلما لاحت في الأفق فرصة لتحقيق طروحاتهم أو طموحاتهم بقوة موازين القوى ، سواء كانت تغيرات خارجية ، او اغلبية برلمانية وموقف حزب الله عقلاني وليس طوباويا ، فهو يدرك أن الأغلبيات اللبنانية قابلة للتغيير السياسي في رمال متحركة ، ، ويوصلنا أي تدقيق في خلفية موقف حزب الله ، إلى أن تمسكه راسخ الصيغة التوافقية لأنها تضمن له كما لسواه حق الفيتو ، وهذا كاف لحفظ الاستقرار وحماية الأدوار ، ولذلك عندما طرح حزب الله الدعوة لمؤتمر تأسيسي انطلق من اعتبار الدعوة لصيقة بجوهر الطائف ، وهو التوافق ، وعندما لمس غياب التوافق عليها سحبها من التداول .
- في الشأن السياسي ، يصح في النظر للطائف القول ، أن الجمل بنية والجمال بنية والحمل بنية ، فكل يدافع عن طائف مختلف ، وفقا لموازين القوى والخلفية الطائفية ، سواء في قضايا الصلاحيات أو في النظر للمناصفة وعلاقتها بالتقليص التدريجي للصيغة الطائفية ، أو لللامركزية ، وكلها محكومة في نظرة حزب الله لمعيار التوافق قبل أي معيار آخر ، بينما ينظر إليها كل فريق باعتبارها قضايا قائمة بذاتها ، ولو على حساب التوافق ، أما في الشأن الإقليمي فما يراه خصوم حزب الله هو أن الطائف رعاية سعودية ، دون أن يخرج حزب الله لتذكيرهم بأنها سورية سعودية ، وأنها في نص الإتفاق سورية أكثر ، وأن العلاقات المميزة مع سورية بند رئيسي من بنود الإتفاق ، ويكتفي بما يراه ميثاقيا بالدعوة للتوافق الداخلي لتعويض غياب المرجعية الإقليمية التي أناط بها الطائف ادارة شؤون اللبنانيين في الحكم ، مستعيدا مفردات السيادة التي يتحدث عنها الآخرون ، ولا يجدون غضاضة باعتبارها تحت المرجعية السعودية الكاملة .
- الطائف صيغة جوهرها أن بديل الحرب الأهلية ونزاع الأدوار بين الطوائف ، هو اشتراط التوافق على أي استحقاق وأي قرار ، يهدد الخلاف حوله بنزاع طائفي ، وتحت سقف هذا التوافق يمكن تسيير آليات الدولة ولو ببطء يفرضه التوافق ، لأنه يبقى اقل ضررا من سرعة الالية التي تعتمد على موازين القوى الاقليمية او المحلية ، وحزب الله الذي يريد الإطمئنان الى استقرار توازنات الداخل القائمة على امتلاك المكونات الطائفية والسياسية حق النقض ، يشمله كما يشمل سواه ، فيزيل القلق من خطر الاستهداف ، ولذلك لا يمانع من يستهدفون حزب الله ، كمقاومة تسبب القلق لكيان الإحتلال ومن خلفه معكسر دولي إقليمي واسع ، بأن يسقطوا صيغة التوافق وصماناتها إذا كان ذلك يوصلهم للفوز بالمعركة على حزب الله ، ولو رفعوا شعار الدفاع عن الطائف لإسقاطه ، وأهم إسقاط للطائف هو إعادة إنتاج بيئة الحرب الأهلية برئيس لا ينتجه التوافق ويهدد بنزع سلاح المقاومة ، أو بفراغ تتفكك معه الدولة والقول ان التوافق هو المسؤول عن الفشل وليس اصرارهم على الربح الكامل في نظام تم تأسيسه على رابح رابح ، وفي أحسن الأحوال لا غالب ولا مغلوب .
2022-11-05 | عدد القراءات 941