آخر حلقات الضغط على إيران …فماذا بعد ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

آخر حلقات الضغط على إيران …فماذا بعد ؟

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

  • تحت عنوان " لن يكون عالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني جميلًا" خصصت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالها البحثي حول مستقبل المفاوضات حول الملف النووي الإيراني ، التي تضمنت استعراضا لكل التعقيدات التي جعلت التوصل الى اتفاق ينعش التفاهم شبه الميت ، وصولا الى الاستنتاج بصعوبة الحديث عن فعالية نظام العقوبات بردع البرنامج النووي الإيراني المتصاعد في تخصيب اليورانيوم ، لجهة بلوغ الكميات المخزنة مستويات مقلقة للغرب ، بعد بلوغ نسبة التخصيب الدرجات الحرجة ، وبالتوازي الاستنتاج بأن الحديث عن الخيار العسكري يبقى أقرب للكلام الضاغط منه إلى الفرصة الفعلية ، لتصل المقالة إلى الحديث عن منفذين واقعيين .
  • المنفذ  الأول تحديد هدف للتفاوض دون مستوى العودة الشاملة للاتفاق ، فتشير إلى مقترح عملي قيد التداول يدعو لنصف اتفاق يتضمن ، مقايضة موافقة ايرانية على تخزين الكميات المخصبة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وتخفيض تدريجي للكميات المخصبة على نسبة الـ 60% ، مقابل فك تدريجي للحجز القائم على الأموال الإيرانية لدى البنوك الغربية ، وفتح الأسواق الغربية أمام منتجات النفط الإيراني ، وابقاء ملف رفع العقوبات الشامل ومصير التصنيف على لوائح الإرهاب الأميركية معلقا ، مثله مثل التزام إيران بكامل مندرجات الاتفاق الموقع عام 2015 ، موضوعا للتفاوض .
  •  أما المنفذ الثاني فهو آلية الضغط لجعل إيران التي ترفض الحلول الجزئية تقبل بهذا الحل المؤقت ، الذي يعفي ادارة الرئيس جو بايدن من احراج داخلي يتسبب به اتفاق شامل ، ومن التزام بضمانات لا تقبل إيران بالعودة للاتفاق الشامل بدونها ، ويتضمن هذا المنفذ ما تسميه المقالة بالاحتواء ، والذي يتضمن عناصر ضغط فاعلة يمكن لها أن تدفع إيران لقبول الصيغة المؤقتة او التدريجية لإتفاق مفترض ، تسميه ب " اتباع نهج دبلوماسي أكثر إبداعًا: سياسة الاحتواء ، حيث يفرض الغرب قيودًا على تصرفات إيران في المنطقة بدعم من تهديد قوة عسكرية محدودة ، مقترنة بمفاوضات أحادية التدبير مع طهران " ، من دون الدخول في تفاصيل هذا النهج المبدع ، الذي يقول تاريخ الإدارات الديمقراطية في عهدي الرئيسين باراك اوباما وجو بايدن خصوصا ، أنه يقوم على اعتماد ذراعين رئيسيتين تسميهما دوائر المخابرات الأميركية بالحرب الناعمة .
  • الذراع الأولى هي تفعيل وتحريك وتمويل وإدارة جمعيات المجتمع المدني ، والمعارضة الداخلية بمستوياتها المتعددة ، السياسية والقومية والدينية ، والجماعات التي يمكن تحريكها بقضايا بذاتها مثل قضية الحجاب والمثليين ، والإدارات الأميركية المتعاقبة التي تعترف بوقوفها وراء الثورات  الملونة في عشرات دول العالم ، وصولا الى قيادة الربيع العربي وتسليمه لتنظيم الإخوان المسلمين ، وما شهده لبنان من ثورة في تشرين الأول عام 2019 ، وقد صدرت حوله تصريحات أميركية كثيرة لا تنكر أبوته ، وتكشف حجم الأموال المرصودة لجعله أداة صياغة للمشهد السياسي اللبناني وفقا للخطة الأميركية التي تستهدف المقاومة ، وليس خافيا أن هناك قنوات تلفزيونية ناطقة باللغة الفارسية وسائر اللغات القومية التي تنطق بها مكونات ايرانية كاللغة الكردية والبلوشية خصوصا ، تعد بالعشرات ، تم تمويلها وتجهيزها وتزويدها بالإمكانات التقنية وتأهيلها لاستيعاب الطاقات البشرية اللازمة لأداء دور التجييش و الاعداد للمواجهة المطلوبة ، ولا يخفى على أي متابع في الغرب خصوصا ، أن حجم وامتداد المشهد الذي تمثله الاحتجاجات في إيران ، لا يتناسب مع حجم القضايا التي يتخذها عنوانا وتفسيرا ، كما لا يكفي لتفسير الاحتضان الواسع إعلاميا في تغطية المشهد الإيراني ، والتحركات الداعمة العبارة لمساحات عالمية عديدة ، مجرد ادعاء التضامن العفوي .
  • الذراع الثانية هي اعتماد الإرهاب ، الذي لم يعد اكتشافا علميا القول انه اداة يستخدمها الأميركيون حيث يريدون ، من أفغانستان الى العراق ، وخصوصا في سورية ، وتعتبر بمثابة جيش رديف حيث لا يمكن الزج بالجيش الأميركي وتحمل التبعات ، والمقصود بالإرهاب ليس تنظيم داعش الذي أعلن مسؤوليته عن العديد من عمليات القتل والتفجير داخل إيران ، بل أيضا التنظيم العسكري لجماعة مجاهدي خلق التي اتخذت من العراق لفترة طويلة مقرا لها وانتقلت قيادتها الى كردستان العراق ، والتشكيلات العسكرية التي تتخذ عناوين عرقية ، خصوصا كردية وبلوشية ، وهدف العمليات التي تقوم بها هذه التشكيلات الإرهابية ليس الرهان على وهم اخافة القيادة الايرانية ودفعها للتراجع ، بل تحويل الاحتجاجات التي تشكل الذراع الأولى الى مشروع حرب أهلية عبر القتل المفتوح لعناصر الشرطة والمحتجين معا .
  • في ايران تعامل بعقل بارد مع هذين الذراعين ، على خلفية الخبرة التراكمية للقيادة الايرانية من تجربة 2008 في التعامل مع حركة احتجاجية أوسع وأشمل ، والنجاح بتفكيكها واحتوائها في نهاية المطاف ، وتجربة الحرب مع الإرهاب في العراق وسورية ، التي كانت ايران بقيادة الجنرال الشهيد قاسم سليماني شريكا أساسيا في خوضها ، والفوز بها ، والخط البياني للمشهد الذي بدأ قبل شهرين في إيران يقول إنه بلغ نصف المنحنى هبوطا ، وأن سقفه الزمني لن يتعدى نهاية العام قبل ان يتحول الى حالة تحت السيطرة ، ليصير السؤال الذي يدق باب إدارة الرئيس بايدن مباشرا ، ما العمل كي لا يقع المحظور طالما أن العنوان المسلم به هو أنه " لن يكون عالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني جميلًا" ؟ !

 

2022-11-19 | عدد القراءات 1030