الجنرال وقت …وحروب العالم الكبرى
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- تدور مجموعة من الحروب المعلنة والمضمرة على الساحتين الدولية والإقليمية ، بعضها معلن ومباشر ، كالحرب بين كيان الاحتلال وقوى المقاومة في فلسطين وسورية ، وبعضها معلن وغير مباشر ، كالحرب بين روسيا وأميركا في أوكرانيا ، والحرب الناعمة الدائرة في إيران وبينها وبين أميركا ، وبعضها غير معلن وغير مباشر ، كالحرب بين الصين وأميركا ، سواء في المشهد التايواني أو المشهد الكوري ، ويتوجه المحللون لقراءة هذه الحروب وآفاقها من خلال معادلتين رئيسيتين ، الأولى الإستثمار الإعلامي الذي يريد وضعها في وجهة أحادية وفقا لزاوية المصلحة التي ينطلق منها المحلل أو السياسي أو الإعلامي ، وفي الإعلام الغربي أمثلة حية على هذا النمط من القراءات التي تمتلئ بالحديث عن قرب هزيمة روسيا في أوكرانيا ، وقرب سقوط النظام في إيران ، وهذه القراءات أقرب في الفهم للزاوية الأيديولوجية وأقرب في الوظيفة للبروباغندا الترويجية ، وفي الحالتين هي مقاربات لا تفيد في قراءة المشهد وفهمه ، والثانية هي قراءة مقارنة المقدرات التي يمثلها موضوعيا أطراف الصراع ، وغالبا ما تبدو متوازنة ، أو كما يراها البعض مختلة لصالح الطرف الغربي ، فتبنى على ذلك استنتاجات من نوع توقع استجابة الطرف الواقف قبالة الغرب الى دعوات التفاوض بشروط مختلفة ، ومرة أخرى هذه القراءة أيضا لا تفيد في فهم المشهد لأنها في كل الحروب الكبرى عجزت عن التوقع الصائب ، وقد انتهت الحروب بعكس استنتاجاتها .
- كان الباحثون يحاولون بعد أن تنتهي الحروب وتضع أوزارها ، التفتيش عن العامل الخفي الذي أفشل التقديرات والتوقعات ، وقد حدث هذا بعد حرب نابليون الفاشلة على روسيا مطلع القرن التاسع عشر ، حرب هتلر على روسيا منتصف القرن العشرين ، ووصلوا الى مصطلح الجنرال ثلج ، الذي أعادوا إليه الانتصار الروسي ، ومثل ذلك بعد الفشل الإسرائيلي في حرب تموز 2006 على المقاومة في لبنان ، ووصل الباحثون إلى الجنرال معنويات ، واليوم يغفل الكثير من الباحثين الذين ينظرون إلى المشهدين الدولي والإقليمي أن هناك جنرالا جديدا يدخل على خط الحرب ويتحكم بتقرير مصيرها ورسم مسارها ، هو الجنرال وقت ، حيث القضية في إيران مثلا ليست في توازن القدرات الإيرانية والأميركية ، بل في كم من الوقت تستطيع إيران تحمل الاستنزاف الذي تمثله المواجهات الحالية من جهة ، وكم تحتاج من الوقت لاحتوائها وإنهاء حضورها على الواجهة السياسية والإعلامية من جهة مقابلة ، وكم من الوقت تحتاج إيران لبلوغ العتبة النووية الحرجة التي تخشاها واشنطن ، وفي أوكرانيا ليست القضية في التوازن النظري بين الاقتصاد الروسي والاقتصاد الغربي ، أو القدرات العسكرية التي يزج بها الغرب في أوكرانيا مع تلك التي تزج بها روسيا ، بل كم من الوقت يتحمل الغرب مواصلة الإنفاق على الحرب في أوكرانيا ، وكم من الوقت يستطيع الجيش الأوكراني البقاء ، وكم من الوقت تحتاج المخازن الغربية من الذخائر قبل ان تستنفد مخزونها ، وكم من الوقت تتحمل أوروبا فقدان الغاز في فصل الشتاء ، وكم من الوقت تتحمل اقتصاداتها نزيف الشركات داخلها ونزيفها الى خارجها ، ومع الصين القضية ايضا هي مع الجنرال وقت ، بين كم تحتاج الصين لانتاج كامل دورة الموصلات وأنصاف الموصلات الدقيقة وكم تحتاج أميركا لملاقاتها ، وكم تحتاج الصين من الوقت لتحدد ساعة الصفر للحسم في تايوان ، وكم تحتاج كوريا من الوقت للبدء بالصواريخ الفرط صوتية وتوجهيها نحو المياه القريبة من الشواطئ الأميركية ؟
- يعرف الأميركيون أن الجنرال وقت يعمل ضدهم ، ولذلك يبدأون حراكا متسارعا نحو روسيا والصين ، وقد لا يتأخرون عن مثله تجاه إيران ، ويعرف الأوروبيون أكثر أن الجنرال وقت يعمل ضدهم ، ولذلك يدفعون الأميركي للمسارعة ، وبعضهم يرفع صوته عن خيار الانفراد بالتفاوض مع روسيا والصين تفاديا لدفع ثمن التباطؤ الأميركي ، لأن الاستثمار الأميركي على الجنرال وقت قائم أيضا ، ولكن لصالح استقطاب الشركات الأوروبية النازفة تحت تأثير الأزمة لتشكيل مورد قوة جديد للاقتصاد الأميركي .
2022-11-22 | عدد القراءات 1130