إشكاليات لبنانية لا يحلها إلا العقل البارد
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- اللغة متوترة والنبرة عالية، والغضب جالب الأخطاء القاتلة في السياسة، وهذا هو الحال بعد
جلسة الحكومة يوم أمس، خصوصا في التخاطب بين جمهور التيار الوطني الحر و حليفيه
الطاشناق وحزب الله، بينما على ضفة رئيس حكومة تصريف الأعمال وفريقه نشوة سياسية
بانتصار، تجسد بالفوز بنصاب الجلسة الحكومية، ولا شيء يفسد السياسة أكثر من التباهي بفوز
غير مكتمل، يؤدي التسرع بالاحتفال به، الى ضياعه، وبالمقابل لا شيئ يخفف الخسائر ويزيد
الرباح مثل العقل البارد الذي لا ينتشي بنصر ولا يغضب لخسارة، ويتجرأ على طرح الأسئلة،
وفي المقدمة سؤالين، لماذا حدث هذا في ضفة، وماذا بعد في ضفة أخرى.
- لنبدأ من عند الرئيس نجيب ميقاتي، فحيث يجب القول أن الاحتفال بالنصر مبكر، فلا شيء
يقول ان التعقيدات تنتهي عند عقد الجلسة الحكومية وإصدار القرارات، لأن العبرة بالمراسيم
التي ستحول القرارات الحكومية إلى أوامر تنفيذية، وإذا كان النص الدستوري يقول بنصاب
للجلسة الحكومية بثلثي الوزراء، فقد جرى العرف في شغورين رئاسيين سابقين أن تحل مكان
توقيع رئيس الجمهورية ، تواقيع جميع الوزراء في الحكومة، والرئيس ميقاتي هنا بين خيارين،
الأول التمسك بالعرف وهذا يعني إخضاع المراسيم إلى حق الفيتو لوزراء التيار برفض توقيعها
جميعا أو توقيع ما يعتقد وزراء التيار انها تنتمي للقضايا التي لا تحتمل التأجيل، وهذا يعني أن
الفوز بنصاب جلسة حكومية لم يكن نصرا سياسيا طالما أن الحاجة للتيار ووزرائه قائمة
لتحويل القرارات الى مراسيم وقد تعود القرارات الحكومية بلا قيمة إذا رفض وزراء التيار
توقيع أي منها، ويصبح الاجتماع الحكومي رهينة سياسية للتيار ووزرائه عندما يختارون هم ما
الذي يوقعونه من المراسيم وفقا لأجندتهم فيصبحون أشد أهمية من ثلثي الحكومة المجتمعين،
وإذا قرر الرئيس ميقاتي تجاوز العرف والاكتفاء بتوقيع ثلثي الوزراء على المراسيم، ستكون
المراسيم عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري، الذي لايملك نصا دستوريا حاسما في تحديد
من يخلف رئيس الجمهورية في التوقيع نصاب الثلثين ام جميع الوزراء، بينما يملك سوابق تقول
باعتماد تواقيع جميع الوزراء، خصوصا أن الغائبين ينتمون الى لون طائفي واحد تقريبا هو
اللون الذي ينتمي اليه رئيس الجمهورية، ما يمنح تواقيعه شيئا من الميثاقية، أما الأمر الثاني
الذي يستدعي من ميقاتي التمهل، فهو رؤية هل أن مشاركة حلفاء التيار تمت لمرة واحدة وقد
لا تكرر أم أنها تعبير عن خط بياني مستمر، خصوصا ان الأكيد هو أن التفريط بالتحالف بين
حزب الله والتيار او الطاشناق والتيار ليس على جدول أعمال اي منهما، فماذا لو استقامت
الأمور بين الحلفاء ؟
- أما التيار الوطني الحر فهو قرر أن يدير مرحلة الاستحقاق الرئاسي بما تمثله من قضايا، بدءا
كيفية مقاربة اسم المرشح والتعامل مع الشغور والشأن الحكومي وفق جدول أعمال خاص، لا
يخضع للتشاور والتنسيق مع الحلفاء، وهو يشكو اليوم من عدم تنسيق مواقف الحلفاء معه،
والأصح عدم مجاراته في موقف اتخذه ولم يسع للتشاور معهم حوله، وبدون المجاملة يعرف
قادة التيار أنهم رسموا سياقا عنوانه مقاربة الاستحقاق بصفته استحقاقا مسيحيا، يملك التيار من
موقعه المسيحي موقع المقرر فيه، وعلى حلفائه السير وراءه، وهو لم يقم بمراعاة حليفه الأقرب
الذي يمثله حزب الله في استحقاق انتخاب رئيس لمجلس النواب، انطلاقا من موقفه المناوئ
لرئيس المجلس نبيه بري، الذي يتبنى حزب الله ترشيحه ويعتبر رئاسته للمجلس واحدا من
مواقعه المتقدمة في النظام السياسي التي لا يقبل التفريط بها، وكان رفض التيار للمجاراة قبل
أن تصبح التباينات حول الاستحقاق الرئاسي على الطاولة، مخاطرة يمكن أن ينجم عنها إلحاق
الأذى المعنوي بالحليف وحليف الحليف الذي فاز بترجيح صوت واحد، كان يمكن لغيابه أن
يشكل نكسة معنوية وسياسية، ورغم ذلك لم يتصرف حزب الله باعتبار الاستحقاق شيعيا وعلى
الحلفاء من غير الشيعة السير وراءه فيه، علما أن لا خيارات رئاسية في انتخابات رئيس
المجلس مقارنة بانتخابات رئيس جديد للجمهورية، فرئيس المجلس حصرا من بين النتواب، ولا
نائب شيعي آخر مرشح، والتيار معني اليوم ان يقارب ملف العلاقة مع الحلفاء بمعيار واحد،
وأن يعيد تقييم الشراكة بغير لغة اعتبار الحليف مجرد مستجيب للطلبات، بل شريكا في التوجه
والقرار عب رالتشاور والتنازلات المتبادلة، لأن حصاد اللايكات على تويتر سهل اما قيادة
السياسة فشأن آخر.
- لا بد من التذكير أن السياسة ليست حسن إدارة حلف تكتيكي بين حلفاء استراتيجيين أو إدارة
خصومة تكتيكية بين خصوم استراتيجيين، بل ان السياسة هي حسن إدارة حلف تكتيكي بين
خصوم استراتيجيين وخصومة تكتيكية بين حلفاء استراتيجيين.
2022-12-06 | عدد القراءات 941